الرأي

عبادة سلبية وأثر إيجابي

نحمد الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن بلغنا شهر رمضان المعظم، فنصومه رغبًا فيما عند الله ـ عز وجل ـ مما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر، حيث جاء في الحديث القدسي:”كل عملِ ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”؛ ونصومه رهبا مما عند الله من العذاب الأكبر الذي يجعل الإنسان يأمل أن لو كان ترابا.

ولكل عبادة من عبادات الإسلام شكل تؤدى فيه، وجوهر يُرتجى منها، وقد نصّت آيات القرآن الكريم على بعض هذه الأشكال، وعلى بعض تلك الجواهر.

وقد وصف الإمام محمد البشير الإبراهيمي عبادة الصوم بالعبادة “السلبية”، ويعني بهذا الوصف أنه ليس له مظاهر خارجية كالعبادات الأخرى، ففي الصلاة ركوع وسجود، وقيام وجلوس، ورفع اليدين، وقراءة وتَشَهُد، وفي الزكاة إخراج مالٍ سواءٌ كان نقدا، أو عروض تجارة، أو منتوجا زراعيا، أو أنعاما، وفيها توزيع ذلك كله على المُستحقين الذين ذكرهم الله ـ عز وجل ـ في آية الصدقات، والحج فيه تَنقُل خارجي من الحِلِّ إلى الحرم وفيه تَنَقلٌ داخل الحرم من طواف حول البيت، وسعيٍ بين الصفا والمروى، وخروج إلى مزدلفة وعرفة، وسَوْقُ هديٍ، ورميٌ، يتخلل ذلك تكبير وتلبية… وهذه كلها أعمال يراها الرائي، وأصوات يسمعها السامع.

لكن الصوم من بين هذه العبادات لا يُعلمُ المرء إن كان صائما أو غير صائم إلا إذا أتى تصرفا معينا كشرب مشروب أو أكل مأكول…

إن الله ذو الحكمة البالغة لا يُمكن أن يفرض على عباده عبادةً لا ثمرة لها ولا فائدة فيها، ولا جدوى منها، وإلا لكان سبحانه وتعالى جدُّه وتنزهت ذاته عابثا، وقد نفى ذلك عن نفسه. وحكمة الله ـ عز وجل ـ فيها الظاهرة التي لا تحتاج إلى إنعام نظرٍ وإجهاد فكرٍ، وفيها الباطنة التي لا يعقلها إلا أولو الألباب، ومن علّمهم الله ـ عز وجل ـ من لَدُنهُ عِلما.

 وقد علّمنا الله ـ عز وجل ـ في كتابه الكريم بعض حكمته البالغة في هذه العبادة، وبيّن لنا الأثر الإيجابي لهذه العبادة “السلبية”، حيث جاء في القرآن الكريم قوله ـ عز من قائل ـ: “يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتّقون”، وأيّ أمر إيجابي أكثر من التقوى؟

لقد أحس بعض الغربيين الذين انشرحت صدورهم للإسلام، واستنارت عقولهم بالإيمان؛ أحسوا بهذا الأثر الإيجابي لهذه العبادة الجليلة، فقال أحدهم بعدما ذاق حلاوة رمضان وأثره: “أقترح أن نجعل كل يوم من أيام حياتنا رمضان”. (انظر كتاب: “الآن: ربي له اسم” ص33)، ومن قبله قال سيدنا محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما معناه:”لو يعلم الناس ما رمضان لتمنوا السنة كلها رمضان”.

اللهم وفِقنا لصوم رمضان إيمانا واحتسابا، وفقهنا معانيه الجليلة، وتقبّل منا ما نأتي فيه من أعمال، وارزقنا أثره الإيجابي وهو التقوى.

مقالات ذات صلة