-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عرس في الزنزانة

عرس في الزنزانة

الذين يقولون إن كرة القدم وانتصارات المنتخب الجزائري هو الحدث الوحيد الذي يجمع الجزائريين بكل أطيافهم وتنوّعهم الاجتماعي، الذي يجعلهم مثل الجسد الواحد، يئنّ كلما أصيب عضو فيه، مخطئون، لأن شهادة البكالوريا كانت وما زالت، حدثا، يصنع الوجع والفرح و”اللّمة”، في الوقت الذي تعجز مختلف النجاحات بما فيها السياسية والجامعية مثل الماجستير والدكتوراه، عن فعل ذلك..

ولكن هذا التجمع بدأ يفقد الكثير من معالمه، حيث تجرّأ عليه بعض الأساتذة، عندما جعلوه يباع عبر الدروس الخصوصية في المستودعات والجحور بأثمان بخسة، وبعض الأولياء الذين جعلوه هدفا لا يهمّ طريقة بلوغه، وبعض الطلبة الذين حرقوا لأجل بلوغه كل القيم ومدّوا أيديهم إلى الغش، ووزارة التربية التي جعلته أشبه بسباقات الخيل و”الطونبولا”، حيث العتبة والحظ، وانتهى العبث بشرف العلم، بأن صارت الدولة تجهز ما يشبه الجيش لأجل حراسة لصوص محتملين للشهادة، حتى أصبح لكل طالب حارس أمام الباب، يفتشه كما يحدث لمسافرينا في مطارات الدول المتقدمة، وآخر يقف على رأسه يريه العين الحمراء، في شبه زنزانة محكوم على النازل فيها بالأشغال الشاقة، في أكبر إعدام للعلم وللثقة التي من المفروض أن تكون بين المتعلمين، لأن المعارف كانت دائما مطلبا من الناس، ولم تكن أبدا وسيلة لبلوغ مآرب أخرى، ويمكن حينها أن تباع وتشترى وتسرق بالغش أيضا، وتحفظها الدولة أو تحاول بهذا الجيش العرمرم من الحراس، وهذه الميزانية الضخمة، التي يقال بأنها تساوي ميزانية تسيير بعض البلدان الإفريقية.

يجب الاعتراف بأن شهادة البكالوريا، أصيبت بكل الأمراض التي يعاني منها المجتمع، الذي صار يختصر كل شيء في ماديته، فكما لا يهم الموظف من عمله سوى المرتب والعطلة والمنح والامتيازات، لم يعد يهم طالب البكالوريا وأولياءه غير نسبة النجاح، والمعدل المتحصل عليه، أما العلم الذي هو مفروض على الإنسان من المهد إلى اللحد، فلا أحد يلتفت إليه، وهو في أحسن الأحوال جسر للعبور إلى الشهادة أو منصب العمل.. وفقط.

ويجب الاعتراف أيضا بأن الجميع متورّط في هذا المشهد المأساوي، الذي يُسام فيه لهذا الامتحان الرمز سوء العذاب، نذبّح فيه أبناءنا من المتفوقين بالفطرة، ونستحيي فيه نساء العلم من اللائي كنّ يقدمن نماذج من المتفوقات ومنهن السيدة منى حميطوش الجزائرية التي تفوقت في بكالوريا الزمن الجميل في الجزائر، وتفوقت في الجامعة، وعندما تنقلت إلى لندن لإكمال دراستها في معهد الاقتصاد، منحها الإنجليز أصواتهم، وأمّروها عمدة عليهم في شمال العاصمة البريطانية، كما مرّ عبر هذه الشهادة كبار علماء الجزائر من أمثال إلياس زرهوني وكمال صنهاجي.

لو يبقى همّ الطالب هو العتبة فقط، ولو يبقى همّ الأستاذ هو تقديم الدروس الخصوصية بمقابل مادي، ولو يبقى همّ الأولياء هو نجاح أبنائهم بأي طريقة كانت ولو بارتكاب المحرمات والممنوعات، ولو بقيت الدولة تهتم بقشور البكالوريا وليس بلبّها.. فإن امتحان البكالوريا سيصبح مثل الانتخابات التي تجري في الجزائر أو عالم الكرة عندنا، حيث “الشكارة” هي المسيّرة الوحيدة لها وعلينا حينها أن نقرأ الفاتحة على أرواحنا.. ولا نسلّم؟  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • تفرت

    كلام في الصميم بارك الله فيك

  • بدون اسم

    slam! merci pour ton article,tres bien ya khoya, continue