-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

علمانية فرنسا الصليبية

عمار يزلي
  • 1480
  • 9
علمانية فرنسا الصليبية

قيم الجمهورية التي يتغنى بها قانون ماكرون الأخير، لا يعدو أن يكون أداة أخرى من أدوات الإسلاموفوبيا ومحاربة انتشار الإسلام والمسلمين في فرنسا بالأساس وفي العالم ككل،  كظاهرة فريدة لا ينافسها تطور وانتشار ديني آخر على الإطلاق..

الاسلاموفوبيا الفرنسية، هي اليوم تمثل شكلا من أشكال الحرب الصليبية المتأخرة، باسم الحفاظ على “قيم الجمهورية”، التي لم تتمكن من تحقيقها في مستعمراتها القديمة، تعمل على تطبيقها اليوم على مواطنيها المسلمين من الدرجة الثانية.

تاريخيا، تمكنت الكنيسة من التوغل في الوسط الأوروبي في الجزائر، في بداية الأمر، تمهيدا للمهمة الكبرى: “إعادة أمجاد كنيسة القديس أوغيستان (St Augustin)، التي وجدت على هذه الأرض منذ القرون الأولى لهذه الحقبة التاريخية، والمطالبة “برد الإيمان المسيحي لشعب أدخل قهرا إلى الدين الإسلامي..”) آني ري غولدزيغر. المملكة العربية ص 94.

إلا أن هذا التوغل داخل المجتمع الكولونيالي – والذي تم بطريقة عادية ولم تشكل هذه العملية أي شكل من أشكال الوخز الاجتماعي والسيكولوجي رغم “العداء” الظاهري تجاه رجال الدين المسيحيين – باعتبار أن الكنيسة مظهر عمراني مألوف في الوسط الأوروبي، ولو كان هؤلاء الأوروبيون المعمرون غير متدينين عملا، بل وقد دخلت الكنيسة في الطقوس التقليدية والفلكلورية للمجتمع الأوروبي بالجزائر، كحاجة لتليين الشعور “بالغربة الاختيارية” للمعمرين المهاجرين إلى بلد لا تربطهم به أية رابطة غير رابطة الربح ورأس المال. ولم يكن غريبا أن نجد الحاكم العام – المصنف ضمن التيار العسكري العربوفوني، المارشال” Randon “، على بروتستنتينيته – يساهم فيما بعد في إنشاء وتشجيع الكنائس الكاثوليكية في الجزائر المستعمرة. (أ.ر.غ ص 95).

من هذا المنطلق، دخلت الكنيسة كمؤسسة استعمارية رابعة بعد الجيش والإدارة والمعمرين، لتصبح جزءا من السياسة الفرنسية في الجزائر ابتداء من هذا العهد، الطابع الصليبي الشمولي.

 وليس من الغرابة أن نجد “هوراس فيرني” – منفذ حملة إخضاع بلاد القبائل اثر ثورة المقراني، يحتفل بذكرى احتلال بلاد القبائل (1871) – من خلال قدّاس الأحد، بقوله: “الأب سوشي “Suchet يبارك بحضور المارشال “Randon”  وقواته المظفرة، هذا الظفر المزدوج، رمز الاستعمار العسكري والمسيحي. “الكنيسة سوف تجد دعمها فيما بعد لدى كبار المعمرين: Du prés de St Maure,Tonnac, Vialar … وغيرهم، والذين سيشكلون أعمدة “الكنيسة الإفريقية”.

نشير إلى أن كان آخر كتاب للأسقف (Pavy) هو الكتاب الذي يحمل عنوان: “التاريخ النقدي لديانة القديسة مريم العذراء في افريقيا” (بالفرنسية): كتاب يتحدث عن “ذكريات مسلم اعتنق المسيحية، وفضل الشهادة على أن يعود إلى الإسلام ثانية”. والإشارة واضحة هنا كما تشير إلى ذلك “غولدزيغر” ص 96: لا بد من العمل على “..إعادة تمسيح أرض أفريقيا أرض كل من…”Tertullien, Cyprien, St-Augustin…”

هذا التشجيع، وهذا الدعم الكبير سيفتح شهية الأسقف “Dupuch” لتحقيق “فتح” إفريقي كبير بدأ من الجزائر وشمال افريقيا. عندئذ يتذكر”Dupuch” صاحب فكرة “إعادة تمسيح كل الجزائريين المسلمين قهرا”، فيستدعيه أخيرا للاستفادة من خدماته بعد أن استقام له عود التمسيح الآن، واقتنع بأن الظروف المادية -وحتى النفسية- أصبحت أكثر تشجيعا على المغامرة من جديد، فينتقل إلى تنفيذ أول عملية على طريقة “إعادة التنصير” ممثلة في “محاربة القرآن بالدرجة الأولى من خلال دراسات ثيولوجية”، ثم عن طريق الشروع في تمسيح تجريبي – تمهيدا للتعميم – حول فيها أطفال العائلات الفقيرة واليتامى إلى “فئران بيضاء”، في مخابر الآباء البيض. هذه المخابر التي لم تكن سوى تلك الأديرة المسماة بـ”الملتقيات”(Séminaires)  منها “ملتقى بئر خادم”، الذي استقبل سنة 1860 الدفعة الأولى من هؤلاء الأطفال التجريبيين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • عمار بن عودة

    وهل نحن مسلمون حقا بهذه الاخلاق المنحلة المتفسخة الفاسدة التي نتحلي بها هل نحن مسلمون نقتل بعضنا ونسرق بعضنا ونعتدي علي بعضنا ونكفر بعضنا ونحتقر بعضنا ...... هل نحن مسلمون فعلا يا سادة ؟؟؟ اجيبونا بكل صراحة وبدون نفاق ولف ودوران وبدون تبريرات عقيمة سخيفة

  • حائر

    سؤال سألت حوله القاصي والداني . الكبار والصغار . الرجال والنساء ... فعجز الجميع على فك لغزه رغم أنه في منتهى البساطة وهو : بما أن فرنسا صليبية وعنصرية وعدوة للاسلام والمسلمين ومجرمة في حق أجدادنا ..... فلماذا تعتبر الوجهة المفظلة لكل جزائري أراد مغادرة البلاد رغم وجود عشرات الدول الأخرى التي يمكنه الولوج اليها ؟

  • محمد

    من لا يعرف تشبث فرنسا أنها أرض مسيحية منذ أن أعلن أقطابها التاريخيين أنها البنت الكبرى للكنيسة وأنها تتكفل بنشر المسيحية في العالم وعبر مستعمراتها بعد أن تزعمت أكثر الحروب الصليبين يجهل دوافع الهجمة الحالية ضد الإسلام والمسلمين عامة والجزائريين خاصة.ما يحدث خارج وطننا من اعتداء على مقوماتنا الحضارية يقتضي نظرا لوضع بلدنا أن نسلك الأساليب التي اتبعها اليهود في تجنب العدوانية الأوربية ضد دينهم وابتكار الطرق التي تضمن لهم حرية الحفاظ على أصالتهم مما جعلهم اليوم يهيمنون على فرنسا وغيرها.لكن ما يؤلمني أكثر هو بعض من يحملون أسماءنا وجنسيتنا ويقيمون الكنائس في ديارهم ويرفعون أصوات حرية المعتقد لإدخال التفرقة بين الجزائريين بل يهدفون في الحقيقة إلى ضرب الإسلام من الخلف.هؤلاء العناصر هم الذين يمثلون خطرا على لغتنا وديننا في بلدنا الجزائر.

  • جزائري حر طليق

    وماذا عن علمانية : اسبانيا وايطاليا والولايات المتحدة وتوركيا السويد والنرويج وروسيا وسويسرا واليونان والمجر وبولونيا وهولندا والارجنتين والبرازيل ...... و كل دول العالم باستثناء طبعا الدول الاسلامية التي تستغل حكوماتها وشعوبها الاسلام لأغراض في نفس يعقوب .

  • جزائري

    وما رأيك أستاذ في مَنْ يتكلمُ ، ويفكرُ، ويتعبد ، ويتواصل ، ويتاجِرُ بلغة فرنسا ، ولا يتكلم بالعربية إلا عندما يَسُب.

  • ديدوش مراد

    هم احرار بوطنهم ولا دخل لنا بشؤونهم الداخلية وبقيمهم ودينهم فنحن لسنا الام تيريزا او انبياء او رسل اخر الزمان حتي نحكم علي الاخرين . فرنسا سمحت للمسلمين باداء طقوسهم الدينية وبناء مساجدهم علي ارضها وسمحت لهم بالعمل والتوظيف ومنحتهم حقوقا مثل المواطنين الفرنسيين لكن بالعكس هل سمحت الجزائر مثلا للمسيحيين منهم بناء كنائسهم لا ابدا فقد منعتهم بلادنا حتي من اداء طقوسهم بحرية علينا ان نكون منصفين عادلين حتي مع اعدائنا يا سادة

  • رشيد

    شكرا جزيلا لك أستاذ. مقال رائع

  • متطوع

    فرنسا مجرمة وفرنسا صليبية وفرنسا عنصرية وفرنسا متطرفة وووووووو لكن الغريب أن فرنسا هي البلد المفظل للمسلمين بل الوجهة الأولى للمسلمين الذين هاجروا بل هربوا من بلدانهم نحو الخارج حيث بلغ عددهم حوالي 6 ملايين نسمة في وقت لا يزيد عددهم عن 3 ملايين مثلا في انجلترا و1.5 مليون في ايطاليا .... فما السر في ذلك ؟؟؟

  • رويبي

    الامير عبد القادر ، ابن باديس ، الابراهيمي ، العقبي ، . ....... ماذا قالوا في هذا الموضوع