على جبهة الصراع الفكري: هل لنا أصدقاء؟
كثيرا ما اعتقدنا أننا لوحدنا في جبهة الصراع الفكري.. أنه ليس هناك من بين الغربيين الذين يشاطروننا الرأي، بل من هو متقدم في الطرح على الكثير منا في هذا المستوى. كثيرا ما نعتقد أن خوضنا جبهة الصراع الفكري يجب أن يتم فقط من خلال إدراك طبيعة تفكير أعدائنا، في الوقت الذي يقول الواقع أنه ينبغي علينا قبل ذلك أن نعرف كيف يفكر أصدقاؤنا في الطرف الآخر، وكيف نجعل منهم أصدقاء بحق؟
انتهيتُ للتو من قراءة الكتاب الذي أهداه لي صديقي “نصر الدين لعرابة” المترجم عن الإنجليزية من قبل الكاتب “أمير نور” بعنوان “Comment l’occident a perdu le moyen orient ”، أي “كيف فقد الغرب الشرق الأوسط” للسياسي البريطاني “لورد لوتيان” Lord Lothian الذي تولى عدة مناصب سياسية في بلده ما بين سنتي 2001 و2005 من بينها رئيس حزب المحافظين، وكاتب الدولة للشؤون الخارجية، وللدفاع في حكومة الظل، وهو الآن عضو لجنة الاستعلام والأمن بالبرلمان البريطاني.
وقد لفت الكتاب انتباهي إلى جانب كتاب آخر لنفس المؤلف بعنوان “
L’orient et L’occident a l’heur d’un nouveau Sykes-Pcot ”، حيث أشارا معا إلى جانب مهم من الخلفيات السياسية للصراع الفكري يتمثل في ضرورة قراءة فكر الآخر المؤيد لقضايانا وعدم الاقتصار على نقد الفكر المضاد أو التشهير به. فهناك أهمية كبرى لقراءة نقد الآخر لذاته وإدراكه لنا من وجهة نظر مدركة لطبيعة الصراع بنفس الإدراك الذي نملك أو أعمق.
* الكاتب هنا يبيّن بأن الطرف الظالم في كل هذا ليس العالم العربي أو الإسلامي، بل الغرب الذي أوصلته سياسته الحالية إلى أن يصبح محاطا بأعداء من كل جانب: المسلمون، الصين، أمريكا اللاتينية، أي أنّ ما يدعيه غير صحيح بأن العالم الإسلامي هو الدائرة الحضارية الواحدة التي تواجهه.
1ــ اتجاه الأعداء المتعصبين الذين من بين رموزهم الأمريكي “روبر بروس سبنسر” Robert Bruce Spencer الذي لم يكتف بتوجيه اتهامات باطلة إلى الدين الإسلامي في مؤلفه “الحقيقة حول محمد: مؤسس أكثر الديانات غير المتسامحة في العالم” “The truth about Muhammad founder of the worlds most intolerant Religion”، بل شكك حتى في وجود رسول للمسلمين (ص) في كتابه “هل وجد محمد، تحقيق حول الجذور الغامضة للإسلام”… وكذلك القس الأمريكي “جون شارلز هاغي” John Charles Hagee المعروفة خطبه الموجهة للملايين، بتأييد الصهيونية والعداء الصريح للإسلام والمسلمين…
2ـ اتجاه منظري صدام الحضارات، الأقل عداء ولكن الأكثر تشكيكا في الحضارات غير الغربية ومن بينها الإسلامية، والأكثر تركيزا على تفوق الحضارة الغربية على بقية الحضارات بشكل دائم ومستمر. ومن بين رموز هذا الاتجاه “برنارد لويس” المؤرخ البريطاني ـ الأمريكي الذي يعد الأول الذي استخدم عبارتي صدام الحضارات والأصولية الإسلامية (Fondamentalisme Islamique) في كتابه “جذور الغضب الإسلامي” The roots of Muslim rage. وكذلك ينتمي على هذا الاتجاه صمويل هتنغتن صاحب الكتاب الشهير “صدام الحضارات” le choc des civilisations الذي اعتبر فيه أن المشكل الأساس بالنسبة للغرب ليس الأصولية الإسلامية إنما الإسلام كحضارة التي يشعر المنتمون إليه بتفوقهم الثقافي على الغرب وحاجتهم إلى القوة. كما ينتمي إلى هذا الاتجاه المؤرخ البريطاني “نيال فارغوسون” Niall Ferguson الذي يعد من الذين أثاروا مخاوف الغربيين من كون أوروبا ستتحول إلى أوروبا العربية “Eurabie” في كتابه “حرب العالم، حقبة حقد التاريخ” الصادر سنة 2006.
3 ـ اتجاه دعاة الحوار أو الأصدقاء الذين يرفضون الأفكار الآنفة الذكر، ويقدمون طروحات أكثر موضوعية تجاه العالم العربي والإسلامي، ومن بين هؤلاء الكاتبة البريطانية “كارين أرمسترونغ” صاحبة مؤلف “محمد رسول لزماننا” Prophet for Our Time a Mohammad والأمريكي “جاون لوي أسبوزيتو” John louis Esposito صاحب كتاب “مستقبل الإسلام” و”اللورد لوتيان” الذي رأينا أهمية الإشارة إلى أهم أفكاره في هذه الحلقة عن الصراع الفكري.
فماذا يطرح؟
يرى الكاتب أن الهيمنة الغربية أرادت أن تكون شاملة وكاملة على العالم الإسلامي منذ سقوط الخلافة، في البداية قادت هذه الهيمنة القوتان التقليديتان فرنسا وبريطانيا اللتان خانتا العالم العربي بإبرامهما اتفاقيتي سايك بيكو سنة 1916، حيث تم بموجبها تقسيم البلاد العربية إلى دويلات تحت نفوذهما المباشر أو غير المباشر، ثم خانتاه بإعلان وعد بلفور سنة بعد ذلك والذي كان بمثابة البذرة الأولى لإقامة الكيان الإسرائيلي… إلا أن هيمنة هاتين الدولتين استمرت في التراجع إلى أن فقدتا تماما مكانتهما في المنطقة مع بداية التسعينيات لصالح الولايات المتحدة الأمريكية التي كادت تُشكل ما بين سنتي 1990 و2008 تكتلا أوروأطلسيا متينا تحت قيادتها مع وجود “إسرائيل” كرأس حربة غربي في الشرق الأوسط، إلا أنها فشلت في ذلك كما فشلت في العراق وأفغانستان، ومُنع التكتل من أن يبقى متماسكا.
* يؤكد الكاتبُ أن أكبر (الفظاعات) horreurs les وأصناف الرعب إنما كان مصدرها أنظمة لائكية محضة وليست إسلامية: ليوبولد الثاني البلجيكي في الكونغو، وهتلر وموسوليني في الحرب العالمية الثانية، ولينين وستالين في الاتحاد السوفياتي سابقا، وماوتسي تونغ في الصين، وبول بوت في كمبوديا…
فالكاتب هنا يبين بأن الطرف الظالم في كل هذا ليس العالم العربي أو الإسلامي، بل الغرب الذي أوصلته سياسته الحالية إلى أن يصبح محاطا بأعداء من كل جانب: المسلمون، الصين، أمريكا اللاتينية، أي أن ما يدعيه غير صحيح بأن العالم الإسلامي هو الدائرة الحضارية الوحيدة التي تواجهه. عكس ذلك يبرز الكاتب أنه من بين الأسباب الحقيقية للصراع هي المسائل التاريخية الكبرى، وجيوسياسية التاريخ الإنساني، والأسباب العرقية فضلا عن الرغبة الجامحة للحصول على الموارد والمال مما ولّد أسبابا أخرى للصراع ككره الأجنبي، الأمبريالي، الغازي… الخ.
ولتأكيد هذا يشير الكتاب إلى مدافع آخر عن المسلمين “غراهم فولر” Graham E Fuller الذي ألف كتابا بعنوان “عالم بدون إسلام” في سنة 2008 يطرح فيه السؤال التالي: هل سيكون العالم أفضل لو افترضنا عدم وجود الإسلام؟ ويجيب بشيء من التفصيل عندما يقول أن أكبر (الفظاعات) horreurs les، وأصناف الرعب إنما كان مصدرها أنظمة لائكية محضة وليست إسلامية: ليوبولد الثاني البلجيكي في الكونغو، وهتلر وموسوليني في الحرب العالمية الثانية، ولينين وستالين في الاتحاد السوفياتي سابقا، وماوتسي تونغ في الصين، وبول بوت في كمبوديا (قتل هذا الأخير 1.7 مليون معارض كمبودي أي خمس السكان) هؤلاء هم أكثر البشر الذين أقحموا البشرية في حروب دموية لم يعرف التاريخ لها مثيلا في مستوى التخريب والتحطيم والظلم.
هل هذا من صنع الإسلام؟ بلا شك لا… يجيب المؤلف قبل أن يواصل في تحليله لواقع العالم الإسلامي، وكيف أن الغرب هو من يمارس القتل والظلم، وهو من يرفض نتائج الانتخابات الديمقراطية، ويزكي الانقلابات العسكرية ولا يعير قيمة لأرواح الأبرياء… وهو ما سنبيّنه بتفصيل أكبر في الأسبوع المقبل بحول الله، ونحن نسعى لتفكيك فواعل جبهة الصراع الفكري… لنميز بين أعدائنا وأصدقائنا…