الشروق العربي
الوزير والدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي للشروق العربي

علينا الخروج من الشرعية الثورية إلى شرعيات العلم والعدل والتكنولوجيا

ليلى مصلوب
  • 4913
  • 30
ح.م

لا يشعر الوزير والدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي بأي عقدة أوخوف في التعامل مع الناس، منذ أن خرج من الحكومة، فهو كما يقول لم يسرق ولم يكذب، ولذلك رفض الحراسة الشخصية واندمج في حياة طبيعية مع أبناء بلده… لكنه في مجال التعبير عن الرأي ما يزال يصرخ عاليا ضد الفساد والاستبداد، مشيرا إلى أنه حين يحل الفساد محل القانون يصبح الخطر على الامن الوطني، منوها إلى مفهوم مبتكر عن الدبلوماسية، فعندما نصدر البرتقال الى بولونيا مثلا هناك دبلوماسية وتمثيل، عندما نترجم الكتب الجزائرية الى مختلف لغات العالم ،وعندما يكون لدينا انتاج فكري وسمعي بصري قوي سيكون لدينا تمثيل ديبوماسي .مؤكدا أن الشعب الجزائري على عكس ما يروج له البعض فهو جاهز تماما للديمقراطية كما جهز بالأمس للثورة.

كما أشار رحابي في حواره هذا للشروق العربي إلى أن حملة انهاء المهام والتعيينات التي تقيم بها الدولة قد أضرت كثيرا بإطاراتها كونها جاءت في وقت حساس يعطي الانطباع بأنها مرتبطة بمحاربة الفساد.. وغيرها من القضايا الهامة التي ستجدونها في ثنايا هذا الحوار.

مرت 20 سنة على خروجكم من الحكومة، كيف يعيش الوزير بعد التقاعد؟

بعد خروجي من الحكومة سنة 1999، حيث كنت وزيرا للإعلام وناطقا رسميا باسم الحكومة، درست كأستاذ في كبرى جامعات العالم وفي معاهد جزائرية خاصة، لأن الجامعة الجزائرية اغلقت ابوابها في وجه المغضوب عليهم، فدرست في بلجيكا، اسبانيا وكثير من الدول عبر العالم، ولدي حياة شخصية وعائلية، وأطالع كثيرا، لذا لا اضجر او اشعر بالفراغ، اهتم بعائلتي وخاصة حفيدتي وابنائي ووالدتي التي ما تزال على قيد الحياة، عمرها 92 سنة، وهي تعيش حاليا في ولاية قالمة، أزورها باستمرار، اما على الصعيد المادي فلدي تقاعد وزير يكفيني لأنفق على عائلتي، فلا اتخيل نفسي اسطو على املاك غيري.

رفضت الحراسة الشخصية.. لماذا؟

بعد خروجي من الحكومة، اقترح علي العقيد علي تونسي رحمه الله حراسة شخصية، لكنني رفضت منذ البداية، لأنني لا اخاف من ابناء بلدي ولا من جيراني، افتح الباب لمن يطرق وأعيش بحرية، بقدر ما لدي حذر من الأجانب، اتعامل بعفوية مع الجزائريين، لم اسرق ولم اكذب، لذا لا اخاف من شيء.

أثار موضوع تعدد الزوجات في الجزائر كثيرا من الجدل، هل أنت مع أو ضد؟

قد يغضب مني الكثيرون، لكن التعدد ليس ثقافتي ولا في ثقافة عائلتي، وسأجيب كما أجاب عبد الله جاب الله “لست من المتحمسين للتعدد”، فلا اتصور نفسي لدي اكثر من زوجة، هذه ثقافتي التي عشت فيها وثقافة العائلة التي تقول ان الرجل ما لم تتوف زوجته لا يعدد.

رأينا في السنوات الأخيرة انشغال الجزائريين كثيرا بالسياسة، كيف تفسر ذلك؟

بالفعل، نحن نعيش تسييسا مفرطا في الجزائر وهو الهاء كبير عن المشاكل الأساسية كالمدرسة، الصحة، التغطية الاجتماعية، الشغل، وعملت السياسة على التقليل من سلم القيم، لأن السياسة هي الآلة الوحيدة في الجزائر التي تجلب الثروة والحصانة، فقيمة السياسي اليوم اصبحت احسن من قيمة الطبيب او المهندس لما يحظ به من امتيازات ونفوذ، فالسياسة في الجزائر تمنح ما لا يمنحه اي نظام في العالم.

هل تقصد النفوذ والمال والفساد؟

كل قضايا الفساد وراءها السلطة السياسية، فالسياسة تحمي الفساد وتتحكم في العدالة، فعندما يحل الفساد محل القانون يصبح الخطر على الأمن الوطني.

رغم عزوفكم عن النشاط الحزبي ورفضكم النضال تحت اي حزب او لون سياسي، الا انكم قدتم هيأة التشاور لما وضعت المعارضة ثقتها فيكم؟

اشتغلت خلال عقود من الزمن على التوافق والوحدة، لأن لدي قناعة بأن الجسور التي توضع بين الجزائريين والطبقة السياسية مفتعلة، فتقسيم الطبقة السياسية بين الاسلاميين والوطنيين والديمقراطيين تقسيم خاطئ، لأنها معارك مفتعلة وطرح استعماري في الأصل، فهل يعني ان الاسلامي ليس وطنيا والوطني ليس ديمقراطيا، لقد ضمنا الحد الأدنى من الحريات. اما المسائل التي لم نتفاهم حولها مثل المدرسة، محاربة الفساد، توزيع الثروة، التنمية، هي مسائل يمكن ان نتوافق عليها، هذه قناعتي، فوجدت أن هناك قابلية كبيرة عند الجزائريين بأن يتفقوا.

هل انت مع اعادة النظر في تقسيم الثروة بين ولايات الوطن؟

سياسة الجماعات المحلية في الجزائر وصلت إلى نهايتها، لأنها تتعامل مع كل ولايات الوطن بنفس السياسة، نحن لا نعمل على توزيع الثروة، بل نعمل على توزيع الندرة، كل الأنظمة الناجحة في العالم هي التي وضعت ولاياتها ومناطقها في منافسة، لكن للأسف في الجزائر كلما تحدثنا عن خصوصية منطقة معينة وطالبنا بمراعاة ظروفها ومناخها كما يحدث في العالم، يتم اتهامنا بالمساس بالوحدة الوطنية، وهذا أمر خطير، فلا يعقل ان يكون الدخول المدرسي في ولاية أدرار مثلا كما في ولاية العاصمة او أعلى بلدية على سطح البحر، لديكم مثلا شمال كندا وصحراء كاليفورنيا، تكساس وشمال الدول الاسكندنافية حققت نجاحا كبيرا بفضل ما منحته حكومة هذه الدول لهذه المناطق والامتيازات.
فالاعتراف بالخصوصية ليس ضربا للوحدة الوطنية، فلا أحد يزايد على وطنيتنا، انظروا مثلا هل يعقل ان يكون الماء في أدرار على بعد سنتيمترات تحت الأرض والأطفال لا يجدون مسبحا في فصل الصيف، كل سكان الصحراء في العالم بما فيها الصين وامريكا يعيشون برفاهية ما عدا سكان الصحراء الجزائرية ممنوعون من ابسط الامتيازات.

كيف ترى الدبلوماسية اليوم، هل فعلا تراجع توهجها مؤخرا؟

الدبلوماسية العصرية هي دبلوماسية الرؤساء وليست دبلوماسية وزراء الخارجية، ولكن في المقابل ايضا الدبلوماسية هي اقتصاد قوي، سياسة دفاعية قوية، عندما نصدر البرتقال إلى بولونيا مثلا هناك دبلوماسية وتمثيل، عندما نترجم الكتب الجزائرية إلى مختلف لغات العالم، عندما يكون لدينا انتاج فكري وسمعي بصري قوي سيكون لدينا تمثيل ديبوماسي.

هل يعني أن الجزائر توزع الديبلوماسية بالمجان؟

لا.. لا، أنا لم أقل ذلك بالضبط، في مثل هذه المواضيع اتحدث عن منطقة رمادية بين الأبيض والأسود … يرد مبتسما.

كيف ترى المرحلة القادمة للجزائر؟

أظن أنها ستكون حاسمة بالخروج السلمي الحضاري من الشرعية الثورية التي أدت وقتها ولها فضل كبير على استقلال البلاد، لكن تستمر الحياة بتواصل الأجيال، ففيما بقينا نحن في الجيل الأول، تعيش الصين مثلا الجيل الرابع بعد موت الزعيم ماوتسي تونغ… هناك الشرعيات الجديدة هي شرعية المعرفة والعلم وشرعية العدل والتكنولوجيا هذه التي تحكم الشعوب وليس شيئا آخر.

لكن الكثير من السياسيين يرون ان الشعب ليس جاهزا بعد للديمقراطية او التغيير ويفضل الاستمرارية؟

الديمقراطية ليست مرتبطة بالتقدم، الهند ودول افريقيا تعيش اليوم الديمقراطية، وخطاب ان الجزائريين ليسوا جاهزين للديمقراطية خطاب انتروبولوجي استعماري، هذا الشعب الذي استطاع ان يقود اعظم ثورة في التاريخ ضد الاضطهاد والاستعمار جاهد حتى يخرج فرنسا ويحرر أرضه، لكن ليس جاهزا للديمقراطية؟ يعني ان هذا الشعب جاهز فقط للحروب، يتقاسم التضحيات فقط، ولا يتقاسم الخيرات؟

دافعت دائما عن اطارات الدولة وقلت ان الدولة عليها ان تراعي شرفهم خلال التعيينات وإنهاء المهام، هل اجحفت الجزائر في حق اطاراتها؟

قلت سابقا وصرحت بأن الدولة أضرت بإطاراتها بتوقيع مراسيم انهاء المهام والتعيينات، لأن الإطارات لهم مناصب عليا وحاملون لأسرار الدولة، لكن مؤخرا كل المراسيم التي صدرت تعطي انطباعا وشعورا بأنها مرتبطة بمحاربة الفساد، وان هؤلاء الإطارات انهيت مهامهم لأسباب متعلقة بملفات كبرى للفساد وهذا أضر بإطارات الأمن والخارجية والداخلية كثيرا.

تحظى بحب الإعلاميين والمثقفين ولديكم سمعة طيبة، ما سر ذلك؟

أحب الاعلاميين كثيرا، وهم ايضا يحبونني وتربطني بهم علاقات منذ 20 سنة وبابي مفتوح لهم.

مقالات ذات صلة
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!