الشروق العربي
أغنى رايس بحر في تاريخ الجزائر

علي بتشين.. المملوك الايطالي الذي عشق أميرة كوكو وأهداها مسجدا بالعاصمة

الشروق أونلاين
  • 11915
  • 8
ح.م

قصص الحب الأسطورية ليست بالضرورة عصفا من ذهن الأدباء والشعراء، فقد يلتقي الخيال أحيانا مع الحقيقة وتمتزج الميثولوجيا مع التاريخ، وستغبطنا حتما باربارا كارتلاند ملكة الأدب الرومانسي وقد يحسدنا موليير أبو جولييت وروميو على قصة جمعت ضفتي البحر ورمت بمرساة الشوق على ميناء “مزغنة”… هي قصة قرصان إيطالي وأميرة أمازيغية.

بدأت القصة في قرية ميرتيتو بمحافظة ماسا بأشهر مدينة رومانسية “توسكانا”، لبطل ولدته ايطاليا وتبنته الجزائر… كان طفلا ضعيف البنية، لكن في عينيه كانت تشع لمعة الطموح، عشق البحر فصار بحارا، ركب البحر فصار قرصانا، ووضعه البحر في أول امتحان لما احتجزت البحرية الجزائرية السفينة التي كان يعمل على متنها، والتي رست في شهر ماي 1578م في ميناء الجزائر وكان في استقبال هذه الغنيمة الكبيرة حاكم الجزائر انذاك حسن فينيزيانو ورفقته رياس البحر الأساطير “شيوبالي” ورايس “كلوش” ورايس “يحيى” وأخيرا الرايس “فتح الله بن خوجة”… اقتيد الأسرى إلى باب البستان أو سوق العبيد، وقف الشاب ألبيريكو بوتشيني مع المئات من بني وطنه ينتظر مصيره المحتوم، غير أن عيونه الذكية ووقفته الشامخة لفتت انتباه الرايس بن خوجة الذي ابتاعه بـ60 قطعة ذهبية  .

غيّر الرايس الشهير اسم هذا الشاب من البيريكو بوتشيني إلى علي بتشين، وتحت امرأته وتوجيهاته تعلم وكبر الشاب في قصر الرياس ليصبح قبطان سفينة قرصنة بـ24 جذافا، وفي زمن قصير تولى علي بتشين رئاسة طائفة الرياس وبعدها اصبح ادميرالا ما بين سنتي 1630 و1645… كان الرايس علي بتشين محبوب الجماهير، وكانت سفنه تجوب البحار من مضيق جبل طارق إلى الدائرة  القطبية، قرصانه أبحروا في البحر الأدرياتيكي حتى إيرلندا، وعادوا منتصرين، محملة صواريهم بالذهب والزبرجد والبروكار الفرنسي.

لالاهم…أميرة في قمة جبل

في ظرف قصير اصبح الرايس بتشين أغنى رجل في مزغنة، وكانت ثروته تفوق ثروة حاكم الجزائر، ولم تكتمل سعادته إلا بعد أن اعتنق الاسلام سنة 1599م… بعد وفاة والده الروحي الرايس بن خوجة قرر علي بتشين الزواج بعد ان حطت عيونه على الأميرة الأمازيغية لالة لالاهم ابنة سلطان مملكة كوكو “أحمد  بلقاضي” سليل شرفاء ساقية سيدي يوسف… كانت لالاهم بقدر كبير من الجمال لا يفوقه سوى التزامها وأخلاقها، وفي غمرة الشوق، طار الرايس بتشين إلى منطقة أورير لطلب يد الأميرة رفقة لالا نفيسة أرملة الرايس بن خوجة وحاشية كبيرة ليظهر ثراءه أمام انسبائه الجدد، غير أن لالاهم رفضت هداياه النفيسة من سجاد فارس وحرير الصين وماسات الهند وذهب الأزتك..

ذهل سلطان كوكو بالكم الهائل من الهدايا التي أحضرها الرايس بتشين وسارع لطلب القاضي لإتمام مراسيم الزواج، غير أن لالة لالاهم لم تكن تشاطر والدها ذات الحماس فأومأت برأسها أن لا يسجل. اقتربت لالاهم من عرش بلقاضي وهمست في اذنيه:

“لا أريد كل هذا، شرطي الوحيد للزواج أن يبني لي مسجدا للمسلمين وسيكون هذا مهري”… في مارس 1622م نفذ بتشين وعده وارتفعت قاعة صلاة مسجد بتشين على علو 5 امتار فوق شارع “زوج عيون” الشهير في باب الواد ومزج فيه الطراز الأمازيغي والعثماني. وهو المسجد الوحيد في القصبة السفلى المبني فوق دكاكين، ويؤكد الكاتب الإيطالي صاحب كتاب Ali Piccinin, un mortegiano pascia di algeri  “ علي بتشيني… في حب أميرة” أن بتشين قام بإحضار رخام مدينة ماسا موطنه الأصلي لتعبيد الأرضية.

كانت مراسيم الزفاف فخمة للغاية وحضر العرس وجهاء البلاد من تلمسان وبجاية ووصل موكب الأميرة إلى العاصمة يقوده جيش جرار من بلاد القبائل واستقر بأعالي جبل باب الوادي خارج أسوار المدينة ومنه استمد هذا المرتفع اسمه “جبل كوكو”

وداعا ألبيريكو

زواج علي بتشين بلالاهم عزز مكانته في العاصمة لدرجة أن سلطان الجزائر كان يخشى أن يقود  تمردا ضد الباب العالي بمساندة مملكة كوكو فأرسل كوموندوس لقتله سنة 1644 باء بالفشل واضطر للاختباء في دار الأمان بضريج سيدي عبد الرحمن للهروب من بطش بتشين وأهل دار الجهاد، الإسم الذي كان يطلق على المحروسة. الكل قد لا يعرف أنه بعد عمر طويل توفي علي بتشين بالسم وأقام له الباشا وأهل العاصمة جنازة تليق بتاريخه، انتهت قصة القرصان والأميرة الأمازيغية المسلمة ولم يبق سوى جامع عاصمي صدقة جارية على روحيهما.

مقالات ذات صلة