الرأي

عملية جراحية من دون جرّاح؟

حتى العملية الجراحية التي قامت بها الحكومة، لأجل إنقاذ “البكالوريا” من أورام الغش الخبيثة، لا تبدوا نافعة، ولن تعطينا بعد القيام بها وظهور النتائج، الجسم السليم، مادام العقل الذي سيّر هذا الامتحان من أوله لم يكن سليما، وسيكون للفاشل الحجة الكاملة في أن يردّ أسباب سقوطه لمنظومة زلزلته، وجعلته يجتاز امتحان العمر عبر أشواط ومراحل معنوية وفكرية مختلفة.

وسيكون لنا الحجة لأن لا نعترف بالضرورة، بتفوق الناجح حتى ولو حقق الامتياز ما دامت ظروف “بكالوريا” 2016 سارت على هذا المنوال، فكان جزءا منها في شعبان والباقي في رمضان، وكان نصفها معجون بالغش والنصف الثاني بالشك، ولكم أن تتصورا جسدا، تتقاذفه مثل هذه الأمواج. وقد كنا إلى غاية نهاية الشهر الماضي، نبصم على أن الامتحان الوحيد، الذي مازال يخطف الاحترام في الجزائر، هو شهادة “البكالوريا”، قبل أن تهتز هذه القناعة، والأخطر أنها جعلتنا نشك في تاريخ هذه الشهادة، التي شكلت الفرحة الكبرى للعائلات الجزائرية على مدار عقود، ونشك في وجود تسريبات سابقة غير معلنة. 

فبقدر ما كشفت منظومتنا التربوية هشاشتها أمام وسائل التواصل الاجتماعي “الفايس بوك”، بتورّط مفضوح من مفتشي تربية ورؤساء مراكز وأساتذة وطبعا ما خفي أعظم، بقدر ما جعلنا “الفايس بوك” نعود إلى الماضي، ونشك في أن تسريبات السنوات الخوالي لم يكن لها من كاشف، وكانت تمر مرّ اللئام، فتتوج هذا وتصنع منه طبيبا أو مهندسا أو حتى وزيرا، وترفع تلك في السر والكتمان فتجعلها سيدة مرموقة تدير المؤسسات.

لقد كشف الفايسبوك جزءا من طوفان التسريبات في عام 2016، فنقلها من الجزء إلى الكلّ، ومن السرّ إلى العلانية، وكشفت “كاميرا” رقمية كانت بيد مناصر كرة، كان في المدرجات، كيف رفع لاعبو شباب عين فكرون أقدامهم لمساعدة منافسهم في التسجيل في مرماهم، في مباراة قيل بأنها جرت ضمن القسم المحترف، فنقلت “نتانة” الكرة إلى أنوف الجميع، وكشفت الكاميرات المثبّتة في مختلف الإدارات وفي الشوارع والهواتف النقالة مدى الاستهتار والإهمال والانهيار الأخلاقي، وكشفت القنوات التلفزيونية الخاصة الموجودة في الجزائر، ما بلغه انحدار مستوى الكثير من المسؤولين في الجزائر، الذين يتناقض بعضهم بين جملة وأخرى، ويعجز آخرون عن تكوين جملة مفيدة قولا وفعلا. فإذا كانت مختلف الوسائل التكنولوجية قد ساهمت في انتشار مثل هذه التجاوزات، وكشفتها أمام الرأي العام أيضا، فإنها ردّتنا إلى زمن سابق، حيث لم يكن من كاشف للتسريبات والسرقات وبيع مباريات الكرة وأميّة بعض المسؤولين الذين تمكنوا من مقاليد البلاد، ونخشى أن تعجز العملية الجراحية التي قامت بها وزارة التربية والتعليم مثلا، وتلك التي قامت بها الرابطة الوطنية لكرة القدم مثلا، في علاج الأورام التي انتشرت، وكشفتها أشعة “الفايس بوك والكاميرات الرقمية”، وحينها سيكون الأمر أكثر تعقيدا.. خاصة إذا كان الجراح.. هو سبب الداء؟

مقالات ذات صلة