-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عندما يتنكّر “العلماء” للمرابطين!

سلطان بركاني
  • 2344
  • 0
عندما يتنكّر “العلماء” للمرابطين!

من الحِكم السيّارة التي كتبها الداعية المسدّد “عبد العزيز الطريفي، قوله: “العلماء يحمون الأمة من داخلها، والمجاهدون يحمونها من خارجها، وإذا تنكّر حماة الأمة بعضهم لبعض؛ تسلل العدو من بينهم، فجعل بأس الأمة بينها”.. ولا شكّ أنّ كلّ من تقع عينه على هذه الكلمات، يرتدّ بطرفه حسيرا إلى واقع الأمّة في هذا الزّمان، وهي تعيش مصداق هذه الكلمات التي خطّها رجل أوتي من الحكمة حظا وافرا، وكتب الله القبول لكلماته حتى أصبح وهو المغيّب عن واقع النّاس كأنّه معهم مبيّنا وموجّها ومرشدا.

بين رجال الأمّة علماء ربانيون، يقولون الحقّ وبه يشهدون، لا يحيد بهم عنه هوى عامّة أو خاصّة، أيّدوا المجاهدين ودعموا المرابطين الذين يحمون أهمّ ثغر من ثغور الأمّة في هذا الزّمان، ثغر فلسطين، وكانت كلماتهم من أعظم ما ربط به الله على قلوب المجاهدين.. لكنّ هؤلاء العلماء قلّة، تُوجّه إليهم السهام وتطالهم مباضع الجرح والتحذير، لحساب صنف آخر من العلماء يوصفون بأوصاف لو وصف بها علماء الصحابة لأنكروها، باعوا دينهم بعرض من الدّنيا، وخاطوا من الفتاوى ما يعجب السلاطين ويُبهج العلمانيين.. فالجهاد في فلسطين بالنّسبة إلى هؤلاء العلماء هو جهاد فتنة (!) لأنّ من يرفعون رايتَه هم طائفة مستضعفة خالفوا وليّ أمرهم، وغامروا بدماء إخوانهم! وبالتالي ليس يجب على المسلمين ولا على حكّامهم أن يدعموا هؤلاء المغامرين، بل الواجب أن يلام المغامرون على فعلتهم، ويُدعَوا إلى لزوم غرز ولاة الأمور وسماع نصيحة “العلماء الربانيين”!

ونحن نرى الآن في واقعنا ما جناه هذا الفقه المنكوس على الأمّة من تشرذم وتناحر وتقاذف للتهم، في وقت يتداعى فيه أعداؤها للتناصر والتآزر ومد الحبال إلى الصهاينة الذين يعيثون في أرض الإسراء فسادا، يقتّلون الأبناء ولا يرحمون النّساء.. تناحرٌ ليست أطرافه كلّها على حقّ، لكنّه أثقل كاهل الأمّة وشغلها عن واجب مدافعة العدوّ المحتلّ ومنابذة داعميه وممدّيه في غيّه.

عندما كان دين الله ظاهرا، كان علماء الأمّة يذرفون الدّموع الحرّى عندما يذكر الجهاد، وكانوا يرغّبون فيه ويحرّضون الأمّة عليه ويوالون المجاهدين ويدعون لهم ويذودون عنهم ولا يسمحون بألسنة السوء أن تطالهم أو تعاتبهم، بل قد كان بعض العلماء يتقدّمون الصّفوف ليضربوا لهم بسهم في جهاد الأعداء ويكونوا قدوة لغيرهم في رفع راية هذه الفريضة التي بها عزّ الأمّة، فهذا مثلا الإمام عبد الله بن المبارك -رحمه الله- كان أسدا يزأر على المنابر بلسانه، ويبطش في الميادين بسيفه، حتّى إنّه كان يحج سنة ويجاهد أخرى، ومن مواقفه في ميادين الوغى أنّ فارسا من العدوّ أرهق المسلمين في إحدى المعارك، فبدأ بعض المسلمين يتراجعون أمامه، حتى انتدب له فارس ملثّم، أبهج قلوب المسلمين بدحر الفارس الكافر وقتله، حتّى كبّر المسلمون وعلت تكبيراتهم وطاولت معنوياتهم السّماء، وكُتب لهم النّصر بإذن الله، وما كان من الفارس الملثّم يومها إلا أن تنحّى ودخل في غمار الناس بلثامه، ولم يعرفه أحد، حتى تبعه أحدهم وسأله بالله أن يكشف لثامه، فأخذ منه عهدا واشترط عليه ألا يكشف عن اسمه للنّاس حتّى يتوفّاه الله، وكان له ذلك، ولم يُعرف بين النّاس حتى مات، فكان هو الإمام عبد الله بن المبارك، الذي سبق له قبل ذلك أنّه بعث برسالة إلى الإمام الزّاهد الفضيل بن عياض، يشحن بها همّته للجهاد في سبيل الله، وكان ممّا قال له:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا * لعملت أنك في العبادة تلعبُ

من كان يخضب جيدَه بدموعه * فنحورنا بدمائنا تتخضب.

مع أنّ الفضيل بن عياض، ما كان يقلّل من شأن الجهاد، ولا كان يطعن في المجاهدين، بل كان مرغّبا فيه، تائقة نفسه إليه.. فكيف لو عاش ابن المبارك وأدرك زماننا هذا وسمع ما تنطق به ألسنة بعض المنسوبين إلى العلم في حقّ المجاهدين والمرابطين؟!

العلماء لا يجوز لهم ولا يليق بهم أبدا أن يؤْثروا الفاني على الباقي، ويتبعوا أهواء قوم أخلدوا إلى الأرض ورضوا بالدنية في دينهم ودنياهم، ويبرروا لهم رضاهم بالقعود والخنوع، على حساب أعراض المرابطين الذين حملوا أرواحهم في أكفّهم، وأبوا إلا أن يقفوا في وجه العالم كله دفاعا عن دين الأمّة ومقدّساتها.. إذا كان خذلان مسلم يُظلم في حق من حقوقه، كبيرة تستوجب اللعن، فكيف بخذلان رجال يحمون بيضة الأمة لئلا تستباح ويذودون عن حياض الدين حتى لا يحرف ويتحول إلى ديانة تربي قططا وحملانا في زمن تداعت فيه الضباع على الأمّة!

المرابطون ماضون بإذن الله في رباطهم، مهما تزايد عدد الخاذلين والمخذّلين، ولن يضرّهم -بعون الله- خذلان قريب ولا عدوان بعيد، والعلماء المخلدون إلى الأرض سيتساقطون تباعا، بعد أن يسقطوا من عين الله، وسيكتب عليهم الذلّ والصّغار، وتدون أسماؤهم في ذات السجلّ الذي دوّنت فيه أسماء كثيرة ما عادت تذكرها الأجيال المتعاقبة إلا بالسوء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!