-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عندما يجتمع الفرس والأتراك والروس

عندما يجتمع الفرس والأتراك والروس

اجتمع ثلاثة من كبار العالم الثلاثاء بطهران، رؤساء كل من إيران وتركيا وروسيا، يمثلون ثلاث حضارات عريقة: الفارسية والتركية والروسية… لا يمكن أن تكون مثل هذه القمة عادية في ظل الظروف الدولية التي يمر بها العالم، ولا يمكن النظر إليها خارج الصراع الجيواستراتيجي الدائر اليوم بين الشرق والغرب.. بل علينا أن نُمعِنَ النظر في نتائجها إذا كُنا نتطلع إلى استشراف التطورات العالمية القادمة على كافة الأصعدة: الاقتصادية والسياسية والجيو استراتيجية.
بالفعل، جاءت هذه القمة مباشرة بعد مغادرة الرئيس الأمريكي منطقة الشرق الأوسط، حيث استمر يَعزِف على مِلفٍّ مُتهالكٍ يَحمِل عنوان “السلام” مع الكيان الإسرائيلي، محاولا الإبقاء على يده عليا في التعامل مع عربٍ بَدَوْا ولأول مرة يريدون قول “لا” بعد عقود من الخضوع التام خوفا أو طمعا.
أما الآن فقد كشفت روسيا عورة كل من الناتو والاتحاد الأوروبي وأمريكا، بل وكل الغرب. إن هؤلاء جميعا لم يعد بإمكانهم منع الأتراك العضو الرئيس في قوتهم العسكرية من الامتناع عن معاداة روسيا، ولا الاعتراض على مَن لم يرغبوا الدخول في حلفهم مثل فنلندا والسويد.. بل لم يَعد بإمكانهم منع تركيا، حيث كبرى القواعد العسكرية للناتو من تعزيز علاقاتها الاقتصادية العسكرية مع روسيا التي يقاطعونها ويُطبِّقون عقوباتٍ غير مسبوقة عليها، ولا منعها اليوم من عقد صفقة إستراتيجية مع إيران بما قيمته 30 مليار دولار وهم الذين يفرضون عليها أشد العقوبات…!
وفي الجانب الإيراني، لم يعد الغرب يستطيع الزعم بخنق إيران اقتصاديا من خلال العقوبات كما يفعل مع روسيا عبثا، إذ العكس هو الذي يحدث الآن؛ فالدولتان اتفقتا أمس على شراكة إستراتيجية بما قيمته 40 مليار دولار تحظى الطاقة فيها وحدها بما قيمته 10 مليار دولار، وفوق ذلك أعلنتا فتح التداول بثنائي العملات (الروبل والريال) بينهما، بما يعني التخلي عن التعامل بالدولار مستقبلا. وبالتزامن مع ذلك، بل وفي نفس اليوم، أكدت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن المفوضية الأوروبية تعتقد أن روسيا لن تستأنف إعادة ضخ الغاز لأوروبا بعد مرحلة الصيانة.
وإذا نظرنا إلى كل هذا ضمن نتائج الزيارة الأمريكية الأخيرة للشرق الأوسط، حيث أعلنت المملكة العربية السعودية عدم إمكانية تجاوز سقف معين من الإنتاج النفطي (13 مليون برميل يوميا) وهو رفض غير  مباشر للطلب الأمريكي، وانتقد وزير خارجيتها نفاق الأوروبيين الذين يفرضون ضرائب على النفط الخليجي بأكثر من 200 بالمائة بحجة حماية البيئة ويدعمون الفحم وكأنه طاقة نظيفة! وإذا ما تذكرنا إلى جانب ذلك موقف قطر السابق بأنها لا تستطيع تعويض الغاز الروسي قبل 6 سنوات من الآن، وكذا مواقف دول إفريقية مماثلة أعلنت عدم إمكانية المساهمة في تلبية النقص الفوري في الطاقة، يبرز لنا إلى أي مدى يزداد  الموقف الغربي والأوروبي بالتحديد ضعفا يوما بعد يوم.
هذا الواقع الجديد الذي يُعَزِّزه لقاء زعماء ثلاث حضارات كبرى اليوم يُمكِّننا من فرصة كبيرة لمراجعة تموقعنا الجيواستراتيجي في المنطقة سواء تعلق الأمر بالجوانب الاقتصادية أو الأمنية. ويبدو أننا على خطوة صغيرة من التمكُّن من صوغ سياسات اقتصادية وشركات إستراتيجية أكثر فعالية وقوة مما سبق. وعلينا أن لا نتردد في ذلك، بل أن نُقنَع الطرف العربي في القمة العربية القادمة بذلك، إذ ينبغي إضافة الحلقة الرابعة إلى هذا التجمع الكبير والواعد على الأقل مُكَونة من بعض البلدان العربية المُتَطَلِّعة لاستعادة مكانتها ودورها في المنطقة.
إن العالم يتغير باتجاه فك الارتباط مع الغرب الليبرالي، ويفتح أمامنا نافذة أمل لنكون في الموعد، فلا نُفَوِّت الفرصة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!