-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عندما يلعب الكبار

عندما يلعب الكبار

عندما تضع الأم، يدها على قلبها، لأن ابنها توجّه إلى ملعب للكرة الذي من المفروض أنه مخصص للفرجة والمتعة واللهو، خوفا من سكتة قلبية قد يتعرض لها نظير “شوفينيته” وعصبيته لناديه، أو من خنجر أو حجارة قد تطرحه فراش المستشفى، أو من انهيار جدار الملعب على رأسه، فإننا نكون قد بلغنا درجة من الانحطاط، صار فيه اللعب خطرا فما بالك بالجد، وعندما تبني الجزائر مركبا رياضيا مثل الخامس من جويلية ولم يكن قد مرّ على استقلالها عشر سنوات، في زمن لم يكن النفط قد جاوز سعر برميله الخمس دولارات، وتعجز الآن وهي على مشارف المشاركة الرابعة في كأس العالم لكرة القدم، وسعر برميل النفط لا ينزل عن المائة دولار عن بناء مثله، فإننا نكون قد بلغنا مرحلة السير السريع جدا، ولكن للأسف إلى الخلف.

من المسؤول عن مقتل سفيان وسيف الدين؟ هل هم المشرفون على المركب الرياضي الذين تهاونوا في إصلاح المدرجات المخرّبة؟ أم رؤساء الأندية الذين يقدمون للاعب الكرة، راتب بنصف مليار دون أن يلتفتوا لمناصريهم وللملاعب التي ينشطون فيها، أما الأولياء الذين علموا منذ زمن طويل أن مباريات الكرة عندنا لا تختلف عن معارك الشوارع وشجارات الأسواق الشعبية، بل إنها أخطر، أم الإعلام أم الوزارة؟

المؤلم أنه بقدر ما منحتنا وسائل الاتصال الجديدة من فضائيات وأنترنت إمكانية أن نتفرج على أنفسنا من خلال المرآة العاكسة التي تأتينا من وراء البحار، بقدر ما يزداد تراجعنا إلى الخلف، وغالبية محبي الكرة ومنهم أنصار الإتحاد والمولودية يتابعون مباريات الكرة يوميا عبر الفضائيات، ويشاهدون كيف تتنقل العائلة بكل أفرادها إلى الملعب في سهرة لأجل الحياة والسعادة، بينما تتحول سهراتنا الكروية إلى موت وأحزان.

ربما أخطأت الجزائر عندما سمّت ملعب الكرة الكبير الذي انطلق بناءه نهاية الستينات بالخامس من جويلية، الذي هو رمز للحرية، حيث تحوّل هذا الملعب بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال إلى رمز للعبث والاستهزاء بصورة البلاد وأرواح الشباب، والمصيبة أن ما حدث في مركب الخامس من جويلية، يحدث في مؤسسات جامعية واقتصادية وإدارية وطرق سيّارة تم تدشينها منذ فترة وجيرة، وهي الآن أشبه بالأطلال، وإذا كان لحادثة مقتل سفيان وسيف الدين قرابة خمسون ألف شاهد وإعلام وثق الجريمة بالصور وبالشهادات، فإنه ليس لآلاف، ونخشى أن نقول مئات الآلاف من جرائم اللامبالاة، شهود ولا صور ولا توثيق.

ويبقى الخطأ دائما أن التحقيقات تبدأ من نقطة دم الضحايا ونقطة حبر الصحافة، فيدفع الثمن الطرف الأخير من الجريمة وليس بقية الأطراف، لقد هلك أمثال سفيان وسيف الدين في بالوعات وبرك مائية وفي طرق سيارة مخربة وبلسعات العقارب وعضات الكلاب الضالة، ومع ذلك مازال المسؤولون الكبار، يأمرون بإنشاء لجان تحقيق .. ولا أحد يحقق معهم؟ 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • ahmed

    بسم الله الرحمان الرحيم السلام عليكم و بعد:
    يا سي عبد الناصر مادامت جريدة الشروق موفرة لك مساحة للتعبير عن افكارك وهده غير متوفرة للجميع أطلب منك أن تستغلها جيدا في تنوير و تعليم و تثقيف الناس وليس في تهييجهم ضد النظام و قضية المرحومين في ملعب 5 جويلية ليست قضية كبيرة بهاذا الحجم حتى تتداولها كل الصحافة المطلوب منك التطرق الى قضايا أكثر أهمية و ما أكثرها .

  • Mustapha

    En Algérie, le football et la religion sont devenus de l'opium pour nos jeunes.