-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عنصريةٌ بغيضة في عزّ الحرب!

حسين لقرع
  • 2023
  • 2
عنصريةٌ بغيضة في عزّ الحرب!

حتى في عزّ الحرب والدمار، تنضح العنصريةُ البغيضة من أوكرانيا وبولندا ودول أوربية أخرى ضدّ العرب والأفارقة، فقد تابع العالمُ كلّه صورا صادمة لرجال أمنٍ أوكرانيين وهم يصدّون طلبة ونساءً وأطفالا أفارقة ويمنعونهم من ركوب قطارٍ يحمل لاجئين أوكرانيين باتجاه بولندا، ويعتدون بالضرب على بعضهم، ويُنزلون آخرين من القطار ليمنحوا أماكنهم لأوكرانيين.. وهي صورٌ مخزية مليئة بالاحتقار والاستعلاء والتمييز العنصري لرجال أمنٍ ينتمون إلى بلادٍ تخوض حربا قاسية مع دولة كبرى، والمفترض أن تبحث عن تعاطفٍ دولي واسع، بدل أن تستفزّ شعوب العالم بمثل هذه الصور الصادمة.

الأمر لم يتوقّف على هذه الحادثة المقزّزة؛ فعلى الحدود الأوكرانية- البولندية التقط مصريّون بكاميرات هواتفهم صورا لحرس الحدود البولندي وهم يصوِّبون بنادقهم باتجاه عددٍ من اللاجئين العرب الفارّين من الحرب ويأمرونهم بالابتعاد عن الحدود، وهناك يُترَكون أياما في الخلاء يعانون البرد، في حين يُفسح المجالُ واسعا للّاجئين الأوكرانيين وحدهم وتُقدَّم لهم كلّ التسهيلات والخدمات “الإنسانية”!

هذه هي إذن أوروبا “المتحضّرة” التي طالما تغنّت بمبادئ حقوق الإنسان والمساواة بين جميع البشر في الحقوق والواجبات بغضّ النظر عن جنسياتهم وأعراقهم وألوانهم وأديانهم… اليوم أسقطت الحربُ الروسية- الأوكرانية آخرَ ورقة توتٍ كانت تتستّر بها أوربا، وأكّدت أنّها لا تنظر إلى باقي الأمم التي لا تحمل بشرة بيضاء وعيونا زرقاء وشعرًا أشقرَ، إلا نظرة استعلاء واحتقار وازدراء..

قالها مراسِلُ “بي بي سي” البريطانية، بوضوح تامّ: “أشعر بالحزن والتعاطف الشديدين لأني أرى أطفالا أوربيين بعيون زرقاء وشعر أشقر يُقتلون بصواريخ بوتين وطائراته كلّ يوم!”.. وكأنّه يريد أن يقول: لو كان الأطفالُ الأفارقة أو الأفغان أو غيرهم من ذوي الشعر غير الأشقر والعيون غير الزرقاء، هم الذين يُقتلون الآن بصواريخ بوتين وطائراته، لما شعرتُ بالحزن والتعاطف!

وعلى منوال الكراهية العنصرية ذاته، سار مراسل شبكة “سي بي أس” الأمريكية تشارلي ديغاتا الذي أخذ يفاخر بأوكرانيا ويقول “هذا المكان ليس العراق أو أفغانستان.. أوكرانيا مكانٌ متحضّر وأوربيّ ولا يصحّ أن يحدث فيه مثل هذا”! وكأنّ هذا المراسِل يريد أن يقول: حرامٌ أن تُقصف أوكرانيا ويتعرّض أبناؤها للقتل والتشريد لأنهم “أوربيون ومتحضِّرون”، أما العراقيون أو الأفغان فهم “متخلفون” ولا يحرّك قتلُهم شعرة في رؤوسنا، نحن لا نتعاطف مع العراق وأفغانستان حينما تدمّرهما أمريكا وتقتل مئات الآلاف من أبنائهما وتنشر فيهما البؤس والجوع، لأنهما لا تقعان في أوربا و”غير متحضّرتين”!

حربُ أوكرانيا كانت مناسبة أخرى كشفت مجددا وجه أوربا البغيض الذي ينضح بالعنصرية والاستعلاء والانحطاط الأخلاقي والإنساني، ولعلّ القراء يذكُرون صور اللّاجئين السوريين والعراقيين والأفغان، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من سنة 2021، وهم يُمنعون من دخول بولندا والمجر عبر بيلاروسيا ويُضربون ويهانون على الحدود وتُقام الأسلاكُ الشائكة بعلوّ 3 أمتار لمنعهم من الدخول.. فاللاجئون المسلمون لا مكان لهم هنا والأفضل أن يُتركوا للجوع والبرد حتى يموتوا، عكس اللاجئين الأوكرانيين، وقد لخّصت مراسلة “أن بي سي”، كيلي سوبيلا، هذا التمييزَ العنصري القائم على الدين والعرق، بقولها “هؤلاء ليسوا لاجئين عراقيين أو سوريين.. هؤلاء لاجئون من الجارة أوكرانيا، وهذا بصراحة سببُ استقبالهم في بولندا، هم مسيحيون وبيض يشبهون سكان بولندا بشكل كبير”!

إنه الانحدار الأخلاقي في أحقر صوره والتمييزُ العنصري في أبشع مظاهره.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • علي عبد الله الجزائري

    وهل هناك عاقل ينكر عنصرية اوروبا تجاه غير الاوروبيين بل الغرب كله عنصري حتى بامريكا لازال السود والامريكيين من اصول هنود الحمر او اصول لاتينية يعاملون انهم ليسوا امريكيين ومواطنيين من درجات اخرى لا ثالثة ولا رابعة هل نكذب قول الخالق الله عز و جل ونصدق البشر الذين يتكلمون حسب اهوائهم ومصالحهم " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم "

  • ro mi o

    شرق أوروبا لا يمثل أوروبا