الرأي

عودة الذبيحة إلى الجزّار!

ح. م

عودة الجزائر المرتقبة إلى صندوق النقد الدولي، مُكرهة وليست مخيّرة، هي أشبه بعودة الذبيحة إلى جزارها، الذي فعل فيها الأفاعيل، في منتصف التسعينات من القرن الماضي، وسيكون من العبث والجنون اعتبار الأمر عاديا، وضرب أمثلة عن بلاد قوية، تتعامل مع هذا الصندوق المسيّر لعدد من اقتصادات وسياسات الدول، الذي يعرف كيف يضربنا، ولا نعرف كيف، نردّ له الضربة، بل لا نعرف حتى كيف نتفادى ضرباته المؤلمة اجتماعيا واقتصاديا وحتى سياسيا وأمنيا.

منذ بداية الأزمة التي عصفت بالجزائر، التي ستطول وربما ستدوم مدى العمر، عندما انخفضت أسعار النفط إلى مستوى لم يتصوره أحد، من الذين يزعمون بأنهم يقودون البلاد إلى برّ الأمان، ويستشرفون مستقبله ويخبئون المال بالعملة الصعبة للجيل القادم، ونحن نستمع إلى كلام “الإنشاء” المطمئن الذي يروي لنا قصة “مالك وزينة” اللذين لا يغادران الحديقة في أيام الربيع أبدا، ولكن البنك الدولي لا يأخذ بهذا الكلام الاستهلاكي أبدا، وقصته رقمية بالكامل، منذ أن وُجد، وسارت أرقامه مع اقتراحاته، التي عصرها من سبب وجوده ومن تجارب دول كثيرة كانت تسقط مثل الفريسة بين مخالبه، منها من قضت نحبها، ومنها من خرجت سالمة وما بدّلت في سياسته تبديلا.

منذ فترة ليست بالوجيزة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومختلف المؤسسات الدولية، وحتى المحلية، تمنحنا فرصة للاعتراف بواقعنا المزري لأجل التحرك بسرعة، للعلاج، حتى لا نصل مرحلة الكيّ أو البتر نهائيا، ومنذ فترة وحكايات تمكن الجزائر من تجاوز الأزمة بـ”عبقرية” مسيّريها، ومقدرتها في العيش من دون نفط، تغرق الجزائريين في حبرها ولعابها وفي الحقيقة في أوهامها، رغم أن التاريخ رحمنا وكرّر نفسه، في ظرف لم يزد عن الثلاثين سنة، عندما انهار سعر النفط وردّد مسؤولو الزمن “غير الجميل” نفس الأسطوانة قبل أن ينسحبوا ويتركوا الشعب يأكل رغيفا أسود، قد نفتقده هذه المرة بأبيضه وأسوده.

مثل هذه التناقضات أو الهروب إلى الأمام ستجعل الجزائري يولّي بصره وسمعه إلى مختلف التقارير الأجنبية، ليس في مجال الاقتصاد فقط، وإنما في كل المجالات، فمن غير المعقول أن ينهار سعر النفط كل هذه المدة، وبكل هذه الأرقام، وكلنا نعلم أن خبزنا وقهوتنا ودواءنا وورقنا وأقلامنا ومركبنا ومسكننا مستوردة، من الخارج، ويطلّ علينا المسؤولون بتفاؤل يوحي بأنهم لم يصلوا إلى مستوى تلميذ رياضيات في الابتدائي، يعرف بأنّ إنقاص الرقم من نفسه، يعني الصفر.

عودة الجزائر المرتقبة إلى صندوق النقد الدولي الذي اقترض منذ سنوات من الجزائر، هي ليست حلا وإنما حلقة من الأزمة، ويبقى السؤال، عن سيناريو بقية الحلقات، فقد عرفنا النهاية في المسلسل القديم بعودة البطل منتصرا، بعد أن ارتفع سعر النفط مرة أخرى، لكن في المسلسل الجديد، قد لا تكون حلقات بنفس السيناريو لأنّ سعر النفط لن يرتفع مرة أخرى، وعندها لن يعود البطل.. أبدا.

مقالات ذات صلة