-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عُذرا بن باديس

عُذرا بن باديس

لا يمكن أن تمنّ أرضٌ في العالم، برجل يعطي من نفسه ونفائسه، بسخاء، كما فعل الشيخ عبد الحميد بن باديس في الجزائر، فقد عاش للأرض ولشعبها كما كان يردّد دائما، إلى أن انطفأ بطريقة غريبة، فغادر الدنيا، وما كان قد تألم في حياته من إرهاق التعليم أو المرض، ومن غدر المستعمرين والطرقيين، الذين أرادوها بلادا تأنس بالذل والجهل، فكانت صيحته الخالدة دائما، بتكذيب كل من قال إنه حاد عن أصله أو مات، مستشرفا الرجاء في النشء، وباقتراب الصبح به.

الذي يزور الأماكن التي هندس فيها باعث النهضة الجزائرية، كل هذه الصناعة الفكرية الراقية من دور علم وجوامع ومطابع، يدرك كم كنا قاسين على الرجل، فلم يكفِ أننا ضيّعنا تفسيره الكامل للقرآن الكريم، وهو أجودُ تفسير في العصر الحديث باعتراف كبار العلماء في العالم، ولم يكفِ إخراج نهجه التعليمي من منظومتنا التربوية، التي ظلت ما بين التشريق والتغريب من دون باديسية أصيلة، حتى التفتنا إلى الدُور التي احتضنته، وأنارها بعلمه، فأهملناها وحوّلناها إلى أطلال، لا تسرّ الناظرين.

لا أدري كيف تحافظ بعض البلدان على مواقع لرجالات من وحي الأساطير، وقد لا يكونوا قد خُلقوا وعاشوا في الدنيا أصلا، ولا أدري كيف تصمد “قرّابات” وقبور بعض الذين نسميهم “أولياء الله الصالحين” في الجزائر، مدى الدهر، وترمّم وتُصان من أيدي المخرّبين، ولا أحد يلتفت إلى الأماكن التي صنع فيها الشيخ بن باديس مجد الأمة العلمي والفكري في زمن تكالب فيه الاستعمار والجهّال على البلاد. الذي يزور مطبعة الشهاب في قسنطينة، التي حرّر فيها بن باديس الجزائرَ إعلاميا وفكريا، أو جامع الأخضر الذي ضحى في أركانه بن باديس بشبابه وصحته، سيبكي حقيقة على الشيخ بن باديس وسيطلب منه الصفح، وسيشعر بالخجل أمام قامة علمية، حاول مطاولة الأمم بالعلم ونجح فعلا، وما قدّرنا ما بذله الشيخ الذي لم يصل مرحلة الشيخوخة حتى رحل عنا في ظروف مشوبة بعلامات الاستفهام، فقالت صحف العالم بأنه قد تعرض للقتل والتسميم، ولم تفتح الجزائر قطّ تحقيقا في القضية وبإمكانها أن تفعل، ولو بعد مضي قرون من الزمن، فما بالك ببضع سنوات.

عندما تزور مصر، وتشاهد ما تبذله لأجل تمجيد الموميات وكل آثار الفراعنة التي تعود إلى قرون قبل ميلاد عيسى عليه السلام، وكيف تكرّم كبارها بمتاحف وملتقيات وكتب مثل سعد زغلول ومحمد عبده وطه حسين ونجيب محفوظ ومحمد عبد الوهاب… ثم تتجول بين دور رائد النهضة الجزائرية، تدرك بأن الحلم في جزائر جديدة مازال بعيدا لدى بعض المسيّرين الذين لم يحترموا الماضي والحاضر فكيف لهم أن يساهموا في جزائر جديدة مبنية على أساس صلب، من بين لبناتها الشيخ عبد الحميد بن باديس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • رابح

    السلام عليكم أود أن أذكر الكاتب بأنه تم تذكر ابن باديس في معرض الكتاب 2022 بعدم التسريح بعرض كتابه و بارك الله فيكم