-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عُقدة الحجاب

عُقدة الحجاب

سُئل مرة زعيمُ اليمين الفرنسي المتطرف، جان ماري لوبان، عن رأيه في ظهور نساء يرتدين الحجاب الإسلامي في فرنسا؟ فابتعد عن السؤال، وراح يتساءل: كيف لدين “يزعم” معتنقوه بأنه سماوي، يترك كل مشاغل الناس واهتماماتهم، ويلتفت إلى قطعة قماش توضع على رأس امرأة، ويظنون بأنهم يبنون حضارة للعالم؟ ووعد بأنه إذا تمكن من بلوغ قصر الإليزي، فإنه لن يكتفي بمنع ارتداء الحجاب في فرنسا، والسعي إلى تعميم المنع على كامل القارة العجوز، وإنما سيحاول أن يُقنع المسلمين في عقر ديارهم، بما أسماه بـ”تخلف الحجاب وظلاميته”؟!.

والآن وبعد مرور عقود عن كلام الرجل المتطرِّف العجوز الذي صار في أرذل العمر، تقوم إبنته مارين لوبان، وهي “تسعى”، لبلوغ قصر الإليزي، بإقحام قطعة القماش ذاتها التي قلّل والدُها من قيمتها، في معركتها الانتخابية، وتلفّ وتلثّم بها وجه منافسها إيمانويل ماكرون، بينما اطمئنّ المسلمون، بهذه القطعة القماشية منذ قرون.

قد يكون للكبير في السن فقط، جان ماري لوبان، أسبابٌ جعلته يبني حزبه المتطرف على أحقاد شديدة اتجاه الجزائر والعرب والمسلمين، بصفته جنديا فرنسيا سابقا مهزوما في ثورة الجزائر، ولكن ابنته هوت بالمستوى السياسي الفرنسي إلى الحضيض. فلم نسمع في أي بلد غربي، عن إقحام الحجاب ولا المسلمين في صراع الحكم من أجل مستقبل بلدانهم، بما في ذلك لدى الكيان المحتل لأرض فلسطين، وحتى ظهور الرئيس ماكرون برفقة سيدة متحجبة إنما كان ضمن حملة انتخابية، رأى فيها ضرورة السير عكس تيار المنافسة له على مقعد الزعامة، ولو وقفت هي إلى جانب المتحجبات، لأطلق باروده على قطعة القماش، التي مسحت شعار فرنسا الشهير: “حرية ومساواة وأخوّة”، بينما كان الحجابُ ومازال وسيظل قمة الحرية والاستقلال والمساواة بين كل نساء الدنيا والأخوّة التي أقرها تعالى في قوله: “إنما المؤمنون إخوة”.

سيدة اليمين المتطرِّف، وعدت بأن تجعل لبسَ الحجاب بمقابل مالي، من خلال تغريم كل من أرادت أن تستر جسدها، وهي التي تميّز خطابُها الانتخابي بتكرار أسطوانات الحقد المملة نفسها، حتى يُخيّل للمستمع إليها، بأنها لا تمتلك أي برنامج اجتماعي أو تعليمي ولا نقول اقتصاديّا، مادامت تركز على المهاجرين من مختلف الأجيال وعلى قطعة القماش التي حيّرت والدها، واستغرب طرحها في عقيدة أمة، ولم يكن يدري بأنها ستكون برنامجا رئاسيا لابنته وريثة حزبه، في تناقض فكري صارخ، من أناس لا تُبنى برامجهم ومشاريعهم المستقبلية على الحب والخير والعمل، وإنما على الكراهية والأحقاد والعنصرية التي صارت تميِّز فرنسا عن بقية الدول الأخرى.

كل الإحصائيات في فرنسا تؤكد بأن أكبر جالية مسلمة في البلاد، هي من الجزائريين، وكل المشاهد تبيِّن بأنهم هم الأكثر تمسكا بتعاليم الإسلام من صلاة وحجاب، لأجل ذلك تبدو كل هذه القرارات والقوانين والخطابات الدعائية والانتخابية التي تهاجم المسلمين، إنما هي موجَّهة للجزائريين قبل غيرهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!