-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فاطمة الزهراء بن يحيى ترصُد “فلسطين في الشعر الجزائري الحديث”

بقلم: محمد سيف الإسلام بـوفلاقـة
  • 427
  • 0
فاطمة الزهراء بن يحيى ترصُد “فلسطين في الشعر الجزائري الحديث”

تعدُّ القضية الفلسطينية واحدة من أبرز القضايا التي اهتم بها شعراء الجزائر، فقد رافق الشعرُ العربي الجزائري قضية فلسطين منذ ظهورها على المسرح العالمي في العشرينيات من القرن الماضي، وكان الشعراء يستغلون كل مناسبة لتأييدها، وقد تابعوها في جميع مراحلها وأطوارها المختلفة منذ إعلان “وعد بلفور”  سنة: 1917 م، مرورًا بانتفاضات الشعب الفلسطيني في الثلاثينيات، ثم رفضه قرار التقسيم. وقد قف شعراء الجزائر إلى جانب فلسطين والعرب أثناء حرب 1948 م، ونكسة 1967 م، ثم تجاوبوا مع انتصارات الثوار الفلسطينيين، وأبطال المقاومة، وأطفال الحجارة بعد ذلك حتى اليوم.

من يطّلع على الإنتاج الأدبي الجزائري يلاحظ أنَّ الشعراء الجزائريين لم يكونوا معزولين عن قضايا أُمتهم العربية، على الرّغم من الجدار الحديدي الذي ضربه حولهم الاستعمار الفرنسي منذ الاحتلال سنة 1830م، وحتى الاستقلال سنة 1962 م، لأنَّ صلة الشاعر الجزائري بالمشرق العربي وقضاياه ومشاغله صلة وطيدة وعريقة، وتأتي قضية فلسطين في الصدارة، ولا نغالي إذا قلنا إن الإنتاج الأدبي الجزائري، شعرا ونثرا، في القرن الماضي دار في معظمه حول ثلاثة محاور: الوطنية، والعروبة والوحدة العربية، وفلسطين. ولسنا في حاجة إلى أن نعدّدَ الروابط التي تربط بين فلسطين والجزائر منذ فجر التاريخ العربي حتى الآن، كما أنَّه لا حاجة بنا إلى أن نقارن بين واقع فلسطين بعد أن تآمر عليها الاستعمار والصهيونية العالمية، وبين الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي، فكلاهما عرف الاستعمار الاستيطاني، وذاق الإرهاب بِشَتَّى صوره وأشكاله، وتعرّضَ لِمُحَاولات القضاء على مقوماته الأصلية من لغة ودين وتاريخ وحضارة، بل عرف أخطر من هذا، وهو محاولة إلغاء كيانه ومحوه من الوجود، وهذا هو ما يفسر اهتمام الشعراء الجزائريين بنكبة فلسطين، وكان إحساسهم حادا عنيفا ضد الاستعمار والصهيونية والتسلط والغزو الأجنبي (يُنظر: د. عبد الله ركيبي: فلسطين في النثر الجزائري الحديث، مجلة الثقافة الجزائرية، العدد: 27، جوان – جويلية، 1975م، ص: 37 (.

ويجيء هذا الكتاب: “فلسطين في الشعر الجزائري الحديث” للباحثة فاطمة الزهراء بن يحيى، ليؤكد أن الشعر الجزائري ركَّز بشكل كبير على القضية الفلسطينية منذ العشرينيات من القرن المنصرم، وما زال يتفاعل مع تطوراتها إلى أيامنا هذه.

يتضمن الكتاب ثلاثة فصول مع مقدمة، وتمهيد، وخاتمة.

في مقدمة الكتاب شرحت المؤلفة أهمية موضوعها وإشكاليته، فأشارت في البدء إلى أن قضية فلسطين تعد أهم قضية على الساحة العربية، ولا تجاريها أيُّ قضية أخرى في الوطن العربي، فقد ظلت منذ بدايتها المحك الرئيس لالتزام أبناء الأمة العربية بمدى قضايا أمتهم، كما أنها ما زالت الملهم الأساس لكتّابها وشعرائها الذين هبُّوا للدفاع عنها، ولإظهار الأخطار الصهيونية المحدقة بها، وبالأمة العربية جمعاء.

وفي توضيحها لإشكالية البحث تقول الباحثة بن يحيى: “… ما تمر به الأمة العربية في مرحلتها الحالية من تمزق وتشتت وصراعات، وما يمر به الشعب الفلسطيني من تشريد وتهجير وتقتيل، وتقطيع أوصال أرضه وتهويدها، يهدف بالدرجة الأولى إلى تصفية مقاومته المسلحة وإخراجها من معاقلها الأمامية، ونزع البندقية من يدها أمام صمت عربي فاضح، وتهريج صاخب باسم السلام ومشاريعه، لقد دفعتنا هذه الأهمية إلى طرح إشكالية البحث المتمثلة في: إذا كان الشعراء العرب الذين عاصروا القضية الفلسطينية، منذ وعد بلفور 1917 إلى الآن، قد تصدُّوا وبدرجات مختلفة إلى كل المؤامرات الداخلية والخارجية التي كانت سبباً في كثير من النكبات، فإن شعراء الجزائر وعلى الرغم من الحصار الذي ضُرب عليهم قبل الاستقلال، وعدم الاهتمام بإبراز دورهم في معالجة القضية، قد أدّوا دوراً فعالاً ورائداً على الساحة العربية وهو ما يحث على التطرق إليه لإبرازه”، (ص:02).

خصَّصت المؤلفة الفصل الأول من الكتاب لرصد “القضية الفلسطينية في الشعر الجزائري الحديث قبل الاستقلال”، فتوقفت في البدء مع وعد بلفور الصادر في 2 نوفمبر 1917 ونتائجه، وأشارت إلى ما كتبه الشاعر عبد الرحمن بن العقون عن هذا الوعد، كما أشارت إلى تعريض الشاعر محمد العيد آل خليفة بغدر الانجليز وتآمرهم مع الصهاينة في أسلوبٍ كلّه سخرية واستهزاء، وتنبِّه المؤلفة حينما رصدت الشعر الجزائري الذي كُتب عن فلسطين في الفترة الممتدة ما بين (1930-1948م) إلى أنَّ الكثير من الشعراء الجزائريين لمسوا خيوط المؤامرة على فلسطين؛ ففي سنة 1930م كتب أحد الشعراء الناشئين-لم يذكر اسمه- قصيدة تزخر بالمشاعر النابضة والإيحاءات النافذة، وقد سعى في تلك الفترة عددٌ كبير من الشعراء إلى توعية الجماهير بالمخاطر المحدقة بفلسطين.

ومن بين الشعراء الذين تفاعلوا مع التطورات التي وقعت في فلسطين في تلك المرحلة بشكل كبير محمد العيد آل خليفة الذي عبّر عن رفضه للقرار الأممي تقسيمَ فلسطين، إضافة إلى الشاعر أحمد سحنون الذي كتب الكثير عن مأساة فلسطين وجراحها، وفي تعليقها على الخصائص الفنية التي طبعت الشعر الجزائري الذي كُتب عن فلسطين في تلك الفترة تذكر المؤلفة أن شعرهم اتّسم بالحماسة والرفض في تناولهم للصراع وما نتج عنه من تطوُّرات خطيرة، كما تميزت بعض الأشعار بالضعف من ناحية الشكل والجودة والمضمون.

وترى المؤلفة أن التطورات التي وقعت سنة 1948م بعد النكبة أعطت الشعراء الجزائريين نفساً جديداً للخروج من الدائرة التي كانوا يدورون فيها، وجعلتهم أكثر التزاماً وأكثر واقعية في توعُّدهم بالأخذ بالثأر والانتقام لفلسطين التي اعتبروها قضية العرب الأولى.

ومن أبرز الشعراء الذين كتبوا عن فلسطين في تلك الفترة الشاعر عبد الكريم العقون الذي كتب الكثير قبل نكبة 1948 وبعدها، وكان ينادي قبل وقوعها إلى ضرورة توحيد الصف وتحقيق الوحدة العربية ونصرة الشعب الفلسطيني، كما تأثر الشاعر عبد الوهاب بن منصور بما وقع لفلسطين وكتب مجموعة من القصائد التي يطبعها الحزن والألم الشديد على ما وقع لفلسطين الحبيبة.

وقد عاصر الشاعر محمد جريدي مأساة فلسطين، وكتب أشعاراً كثيرة شرح فيها أسباب الهزيمة وفق رؤيته الخاصة للتطورات التي وقعت مع بداية العشرينيات، أما الشاعر صالح خرفي، فقد كتب الكثير من القصائد عن فلسطين وربطها بواقع الجزائر، وأكد ضرورةَ الوحدة بين مختلف الأقطار العربية في وجه أعداء الأمة.

ومن أهم ما أكدت عليه المؤلفة في ختام هذا الفصل أن الشعر الجزائري الذي كُتب عن فلسطين في تلك الفترة أصبح شعاراً للوحدة العربية، وقد تجاوب بشكل كبير مع الأحداث التي وقعت في فلسطين على الرغم من الحواجز التي وضعها الاستعمار الفرنسي لعزل الشعب الجزائري عن قضايا أمته العربية.

في الفصل الثاني من الكتاب تناولت المؤلفة “القضية الفلسطينية في الشعر الجزائري الحديث بعد الاستقلال”، سنة 1962م، وقد افتتحت هذا الفصل بالإشارة إلى أن شعراء الجزائر أدركوا بعد استقلال الجزائر أن المشوار لم ينته، وظلوا يؤكدون أن اكتمال استقلالهم مرتبط بتحرير الأراضي الفلسطينية، فمهمَّتُهم على درب النضال لم تنته، على سبيل المثال أن الشاعر والمناضل الكبير (أبو القاسم خمار) كتب سنة 1962م قصيدة وسمها بـ”هتاف الجزائر” عبَّر فيها عن فرحته باستقلال وطنه الجزائر بعد التَّضحيات الكبيرة التي قدَّمها أبناء الشعب الجزائري، غير أنَّ فرحته الكبيرة بانتصار وطنه، لم تُنسِه الآلام التي يعانيها الشعب الفلسطيني.

ومن بين الشُّعراء الذين أكَّدوا في الكثير من قصائدهم على عودة الشعب الفلسطيني إلى أراضيه التي هجِّروا منها، الشاعر محمد الأخضر السائحي، ولعلَّ أشهر قصائده التي أنشدها الكثير من أبناء الشعب الجزائري قصيدة “حلفنا سنعود” التي كتبها سنة 1963م.

كما كتب الشاعر الدكتور صالح خرفي جملة من القصائد التي أظهر فيها حزناً شديداً على ضياع فلسطين، وعلى زرع نبتة خبيثة في قلب الأرض العربية، وظل يؤكد في جميع قصائده على الوحدة العربية لتحقيق آمال الأمة.

ومن بين الشاعرات اللاتي كتبن الكثير عن فلسطين الشاعرة مبروكة بوشامة، ولعل الطابع العامّ الذي تميّز به الشعر الجزائري بعد الاستقلال في معالجته لقضية فلسطين هو رفض الاستسلام والخنوع، والدعوة إلى الاتحاد والتضامن لمواجهة العدوّ الأول للأمة العربية المتمثل في الكيان الصهيوني، ومن بين الشعراء الذين رفضوا الهزيمة بشدة الشاعر أحمد هويس، ومفدي زكرياء، وخمار، ومحمد ناصر، وأزراج عمر وعبد العالي رزاقي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!