الرأي

فتن ومفتونون

ثلاث فتن يحبها الناس حبا جما، ويتصارعون حولها ــ تحصيلا لها، واستزادة منها ــ صراعا شديدا، وذلك منذ بداية الإنسان على وجه هذه البسيطة، حيث قال أحد ابني آدم لأخيه ـ كما جاء في القرآن الكريم ـ “لأقتلنّك”.. وهذا ما دعا الأستاذ جودت سعيد إلى عنونة أحد كتبه بـ”مذهب ابن آدم الأول”.

وإن الناس سيظلون عاكفين على هذه الفتن الثلاث، لاهثين وراءها ساعين إليها، حتى يأتي أمر الله ـ عز وجل ـ بإنهاء هذه الحياة الفانية، لينتقل الناس إلى الحياة الباقية، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.

وأما هذه الفتن الثلاث فهي فتنة المال، وفتنة السلطان، وفتنة الجمال. (الجمال الأنثوي بالنسبة للذُكران، والجمال الذكوري بالنسبة للنسوان)، حتى إنّ امرأة “عزيز مصر” غلّقت الأبواب على عبد صالح وقالت: “هيت لك”، فاستعصم.

ومن الطبيعي أن يتفاوت الناس في تعلّقهم بهذه الفتن، فمنهم من فتنته الكبرى في المال، ومنهم من فتنته العظمى في السلطان، وقديما قيل عن هذه الفتنة: “ما أحلى الإمارة ولو على الحجارة”، ومنهم من فتنته الكبرى في الجمال..

إن هذه الشهوات ـ الفتن هي مما زين الله ـ عز وجل ـ حبّه للناس، وذلك لحِكَمٍ أرادها الله ـ سبحانه وتعالى ـ ومنها ليَبلوَنا أَيّنَا أحسن عملا، وأزكى أخلاقا، وأنبل سعيا في إشباع النفس من هذه الشهوات ـ الفتن. و قد عَلَمنا سيدنا محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه حُبِّبَ إليه ثلاثٌ هُنَ: الطِيبُ، والنساء، وجُعِلت قُرَةُ عينه الصلاة.. ولذلك فإن الإسلام لا يحرّم هذه الشهوات ـ الفتن، ولكنه ينظمها، ويجعل إتيانها في الحلال و بشرف نوعا من العبادة.

من أجل ذلك، فإن الفرق بين الناس ليس في حبهم لهذه الشهوات ـ الفتن؛ ولكن الفرق هو في كيفية السعي إليها، والحصول عليها، والتمتع بها. فمن الناس من يسعى إليها سعيا شريفا، ويحصل عليها بأساليب نبيلة، وذلك إن كان معدنه نفيسا، وكان أصله طيبا؛ ومنهم من يسعى إليها سعيا خسيسا، وذلك لخسة نفسه، وخبث أصله، وسوء خلقه، ووضاعة همّته، وقذارة ذمّته، وانعدام رجولته، فيستخدم الرشوة، و التزوير، والغش، ثم يطل على الناس مُظهرا “الرجولة” و”الكرامة” و”النزاهة”… وهو أبعد الناس عنها، وأحطهم عن درجتها.. وأحط الجميع من يسخر غيره ليحققوا له ذلك..

 

ومن أراد أن يعرف معادن الناس في فتنة السلطة فها هو موعد الانتخابات قد لاح، فليتأمل وجوه الناس اللاهثين وراءها، وليلق السمع إلى ما يقولون، ثم لينظر إلى سلوكهم، يتبين له الخبيث من الطيّب، و الرجل من شبه الرجل، والنظيف من “الكنيف”.

مقالات ذات صلة