في لبنان
المعارضة والموالاة تتوحدان في ملف خصخصة الكهرباء، وبالتالي تقفان على يمين البنك الدولي الذي لم يخف تحفّظه على هذا المسار «المكلف جداً» بحسب تقريره الأخير، ولا سيما أنه أظهر أن إنتاج الكهرباء عبر القطاع الخاص سيزيد كلفة الكيلو واط ساعة 1.6 سنت بالمقارنة مع كلفة إنتاجه من القطاع العام
الإعلان الرسمي عن اتفاق وزير الطاقة والمياه الوكيل محمد الصفدي مع الأصيل محمد فنيش على خصخصة الكهرباء، كان خلاصة ندوة أقيمت في مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية، تحدث خلالها مستشار فنيش، زكريا رمال، ومستشار الصفدي أنطوان قسطنطين، ورئيس المجلس الأعلى للخصخصة زياد حايك، ورئيس جمعية الصناعيين فادي عبود.
واللافت في هذا الإطار أن الندوة حملت عنوان «لبنان تحت تهديد الظلام: هل يمكن إصلاح الكهرباء؟». والجواب عن هذا السؤال كان موحداً ومجتزأً من جميع المحاضرين، فالتعتيم آتٍ لا محالة بحسبهم، والأرجح أن يكون هذا العام بسبب ارتفاع الطلب على الكهرباء خلال الصيف المقبل، في مقابل انخفاض مخزونات الفيول، إضافة إلى أنه بعد خمسة أشهر ستنتهي مدة العقدين الموقعين مع شركتي سوناطراك الجزائرية والنفط الكويتية اللتين تمدان لبنان بالفيول أويل والمازوت... والحلول كانت متجانسة ومتوافقة على المضي بمشروع الحكومة في خصخصة الكهرباء. أما الثغرة المفجعة، فهي أن الخصخصة لن تتم قبل 5 سنوات بحسب حايك، فماذا سيحل بلبنان قبل انقضاء هذه الفترة؟
التعتيم آتٍ... ولا حلول!
لبنان مهدَّد بالظلام؟ نعم، قال المحاضرون في الندوة، وأشار رمال إلى أنه على المدى القريب ثمّة مشكلة أساسية، فلبنان ينتج الكهرباء من 4 معامل تأتي بوقودها عبر شركتي نفط كويتية وجزائرية، وهذه العقود تنتهي في نهاية العام الحالي، وعلينا أن نحدِّد إذا ما ستُجَدَّد العقود أم سنعود إلى الطريقة القديمة عبر استدراج مناقصات لشراء النفط. وهنا على مؤسسة كهرباء لبنان أن تدفع، وعلى وزارة المال أن تفتح الاعتمادات، علماً بأن هذه الأخيرة تفتح الاعتمادات تحت ضغط هذه العقود، ولكن في نهاية العام الحالي سيصبح وزير المال محرراً من توقيع أي فتح اعتماد، لكونه يريد الحصول على موافقة مجلس الوزراء التي تستلزم 15 يوماً، فماذا يحصل في هذه الحال؟ اليوم مع هذه العقود هناك تسيير يومي لمعامل الإنتاج لكي لا نصل إلى يوم تضطر فيه الدولة إلى وقف أحد المعامل حتى لا يقال إنه لا يوجد وقود، ولكن ماذا سيحصل بعد 5 أشهر؟ وتابع: «نعم لبنان تحت تهديد الظلام على المدى القريب، فماذا عن المدى البعيد، هل ستدعم الإرادة السياسية قرار السير بالإصلاحات؟»، لافتاً إلى أنه في عام 2005 وقّع الوزير فنيش العقدين مع سوناطراك والنفط الكويتية، ولكنه لم يكن ليتمكن من توقيع العقود لولا موافقة الحكومة كلها!
أما قسطنطين الذي انقطعت الكهرباء فور مباشرته بإلقاء كلمته خلال الندوة، فلفت إلى أن الحديث عن استجرار الغاز لا يزال قيد البحث، فسوريا لا تمتلك الكمية الكافية من الغاز لتعطي لبنان و«نتمنى أن تكون مصر في وارد الالتزام بقرارها مدّ لبنان بالغاز، فقد تكون مصر تعهّدت ما يفوق التقدير المعطى لمخزونها من الغاز، كما أن الخزان الغازي الأهم هو في العراق، ولكن الأميركيين رتبوا عقوداً لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر تركيا بطريقة لا تمر بخط الغاز العربي!
إشكالية الدعم الاجتماعي
«أنا أحب الحديث عن الخصخصة» يقول حايك، الذي حاول أن يحافظ على دبلوماسيته المعهودة، فقال: «إذا أردنا دعم الكهرباء نكون مثل 90 في المئة من الدول، ولكن دعم الكهرباء يكون وفق خطة اجتماعية، إذ يوجد أشخاص يسرقون الكهرباء، وعندها نركّب عدادات ونقدم لهؤلاء أوّل كم كيلو واط ببلاش». وشدد على أن يكون الدعم ضمن موازنة الدولة لمعرفة حجمه السنوي، ويجب أن يكون دعم التعرفة مرناً مع تذبذب أسعار المحروقات، هذا الكلام لم يصل الى مستوى ما طالب به البنك الدولي الذي شدد على أن رفع تعرفات الكهرباء يجب أن يترافق مع برامج اجتماعية موجّهة إلى الأسر الفقيرة بهدف التخفيف من الأثر السلبي لكلفة الكهرباء.
ولم يعلق رمال على مواقف حايك، كما لم يبد أية ملاحظات تتعلق بالدعم الاجتماعي خلال كلمته، واكتفى بالقول لـ«الأخبار» إن أي خطة إصلاحية في قطاع الكهرباء تستلزم رفع التعرفة! فيما قال في كلمته: «إن معالجة التعرفة تكون من خلال مناقشة هادئة وعلمية مقرونة بالشفافية داخل هذا القطاع التي تبدأ بمكافحة السرقة والتعدي على الشبكة وتحسين الخدمة، فتطوير المنشآت وتوعية الرأي العام على مخاطر الوضع الحالي. إذ إن جودة السلعة الكهربائية في لبنان هي الأسوأ بين دول المنطقة، والتعرفة الحالية هي من الأعلى!
وقد أشار حايك إلى أن الكل يستفيد اليوم من دعم الدولة لسعر الكهرباء، فالذي يسرق يستفيد بنسبة 100 في المئة، والذي يدفع الفاتورة كاملة يستفيد بنسبة تفوق 75 في المئة بسبب التعرفة الحالية المنخفضة، وبالتالي فإن مؤسسة الكهرباء لا تستفيد من المواطن «النظامي» إلا بنسبة 25 في المئة زيادة عن السارق.
فيما قال قسطنطين: «لا يمكن التفكير بأي إصلاح في الكهرباء بمعزل عن الإصلاح السياسي العام، فالإصلاح لا يمكن أن يتم من دون سلطة سياسية موحدة الرؤية وجهاز تنفيذي متضامن، كما لا يجب أن نعلن مبدأ العفو العام في ما يتعلق بسرقة الكهرباء، والأمر هنا لا يتعلق فقط بالمواطنين».
الرد على البنك الدولي
ورداً على تقرير البنك الدولي الذي دعا الحكومة إلى عدم خصخصة الكهرباء، أشار حايك إلى أنه قد يكون إنتاج الكهرباء من القطاع العام أقل كلفة من إنتاجها من القطاع الخاص، ولكن القطاع العام غير قادر على تمويل كل مشاريع الإنتاج. ودعا إلى وضع سياسة لدعم سعر الكهرباء وتأخذ بالاعتبار البعد الاجتماعي وقدرة المواطنين المختلفة على تحمّل أعباء الكلفة، وتعيين أعضاء الهيئة المنظمة للكهرباء وتأمين استمرارية تنفيذ الخطة المتبعة حالياً وعدم تغييرها من الحكومات المقبلة، مشيراً إلى أنه ليس من خطة إصلاح كاملة، والمهم هو أن ننفذ خطة معينة، ومن ثم نعالج ما بقي من تفاصيل.
وقال رمال لـ«الأخبار» إن البنك الدولي تحدث عن تعديل القليل من أولويات الإصلاح، ولكن لم ينسف فكرة التشركة، وما تحدث عنه هو مشاكل تقنية يمكن حلها تباعاً، كما أنه لا يوجد خطة إصلاحية لا ترفع التعرفة. ورأى أنه لا يمكن معالجة أزمة الكهرباء إلا باعتماد سياسة إصلاحية متجذرة متدرجة لحلول تسمح بإعادة هيكلة القطاع وفقاً لما نص عليه القانون الرقم 462/2002.
وقال وائل منصور، وهو أحد اقتصاديي البنك الدولي في لبنان لـ«الأخبار» إن التقرير الذي قام به البنك هو ملك الدولة، وإنه لا يستطيع التعليق على ردة فعل الحكومة عليه، حيث يجري التواصل مباشرة معها، مرجحاً عدم تغيير معطيات التقرير الأخير للبنك الدولي.
الخصخصة بعد 5 سنوات!
وقد شدد حايك على أن كهرباء لبنان ليست مؤسسة تخسر، بل سياسة الحكومات المتتالية قضت بأن تكون التعرفة أقل من كلفة إنتاج الكهرباء، كما أن جزءاً من الخسارة ناتج من عدم القدرة على ملاحقة المعتدين على الشبكة، لافتاً إلى أن إصلاح قطاع الكهرباء يتطلب ما يقارب خمس سنوات من العمل الدؤوب على خطة واحدة بشكل متواصل. وأشار رمال إلى أنه خلافاً لأي مؤسسة أخرى، يبلغ معدل أعمار الكادرات البشرية في مؤسسة كهرباء لبنان حوالى 58 عاماً مع نقص هائل يصل إلى أكثر من 60 في المئة في الملاك (3000 موظف من أصل 5000 موظف)، وذلك نتيجة لسياسة عدم التوظيف والبيروقراطية الإدارية، ويجري التعويض جزئياً عن ذلك بما يعرف «عمال المتعهد»، داعياً إلى تشركة مؤسسة كهرباء لبنان، وإشراك القطاع الخاص في الإنتاج والتوزيع، وإنشاء الهيئة الناظمة للكهرباء، وتشجيع الاستثمارات الخاصة للإنتاج سواء التقليدية منها أو البديلة.