فشل الإصلاحات سيؤدي حتما الى انهيار جزء كبير من قيّم الجزائريين
خص محمد الصغير بابس رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي بعنابة الشروق بحوار كشف فيه عن جزئيات النظرة العامة التي يقف وراءها الجزائريون للإسراع بتحقيق الاصلاحات الوطنية.
-
وقال بابس ان هذه الاصلاحات لم تكن أبدا وليدة املاءات خارجية أو استجابة لمعطيات راهنة بقدر ما هي مستمدة من إرادة الشعب في إحداث التغيير الشامل والإيجابي، واوضح بابس ان الفشل هذه المرة سوف يؤدي حتما الى انهيار جزء كبير من القيم التي تعلق بها الشعب الجزائري منذ أمد طويل.
-
*ما الذي اضافته اللقاءات التشاورية مع المجتمع المدني لبرنامج المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي في تحديد أولويات الجزائر؟
-
**أولا.. كانت الجزائر مخيرة بين أمرين، إما ان تشرع في إحداث نوع من الاصلاحات العامة بواسطة التشريع وسن قوانين جديدة، او تعديل اخرى، مما ينسجم مؤقتا مع تطلعات الشعب الجزائري في إحداث التغيير الشكلي والمرحلي، أو أن نؤسس لقواعد اصلاحية مستمدة من إرادة الشعب الجزائري في التغيير الشامل والإيجابي.
-
ولهذا ومنذ 2009 كان الرئيس بوتفليقة يؤكد على اعادة الدور العملي للمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي وتكليفه بجزء هام من بعث الحركية الاصلاحية في الجزائر، وذلك بمساهمة شرائح واسعة من الحركة الجمعوية والمجتمع المدني. وقد فهمت من خلال اشرافي على عديد اللقاءات التشاورية في الشرق والغرب والجنوب، أن هناك لغة جزائرية موحدة، تنطلق أولا من مبدأ المحافظة على قيم وثوابت الأمة وتعزيز الوحدة الوطنية ومنع التسلل الأجنبي في اتخاذ القرار الوطني السيد، وتكشف ثانيا مواطن كثيرة من الاختلال والضعف العام اللذين صاحبا المسار التنموي العام للمجتمع الجزائري، ناهيك على أن الجزائريين وتلك هي ميزتهم لا يريدون ان يغيبوا عن صنع مستقبل بلادهم.
-
* معنى ذلك انك متفائل بجدوى هذه الطريقة في تحقيق رسالة الاصلاحات المنتظرة؟
-
** تفاؤلي يزيد يوما بعد يوم، فقد ضرب لنا المواطن الجزائري في الشرق والغرب والشمال والجنوب صورا رائعة عن صدق الانتماء والتعلق بهذه الجزائر العميقة، واقتنعنا من خلال تدخلات البعض ان المجتمع الجزائري قد فهم، واستوعب التمرين من خلال السماع والتسجيل، ولهذا قام خبراء المجلس بتدوين كل هذه الملاحظات والتدخلات لإعادة صياغتها ضمن مشروع ارضية وطنية تعتمد على منهجية آلية وعلمية خاضعة للتحليل العلمي والمنهج الإحصائي والدراسة الميدانية حتى لا نقع مرة أخرى في الخطأ.
-
* بمعنى ان الأمر هذه المرة جاد، وعلى الجزائريين ان يحلموا بالتغيير الإيجابي على كافة المستويات؟
-
** عندما شرفني الرئيس بوتفليقة بإدارة هذه المهمة الوطنية، اعتقد البعض ان الأمر لا يتعدى مجال التكيف الارتجالي مع متطلبات المحيط العام، وخاصة خلال مرحلة الربيع العربي، وقال آخرون ان الجزائر ستكون مثل غيرها ممن سيضطرون الى تقديم وصفات مسكنة مؤقتة سوف لن تعمر طويلا، وتحدث آخرون ايضا عن اشياء اخرى لا تخلو من روائح التشفي أو المزايدة، ولكن حقيقة الاصلاحات في الجزائر غير ذلك تماما، فالرئيس وفي برنامجه الانتخابي الذي قدمه في العهدة الرئاسية الثالثة كان قد أشار وبكل وضوح الى تكليف المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي بجوانب هامة وعملية في سير القافلة الاصلاحية في الجزائر.
-
كما عمل الرئيس على توضيح قواعد اللعبة في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في 02 ماي 2010 وثبت ذلك بصريح العبارة في الاجتماع الأخير للمجلس يوم 28 أوت 2011 وكلف الحكومة بإعداد البرامج والنصوص القانونية لتجسيد هذه الاصلاحات. ومن هنا انصب جهدنا على ايلاء الجانب العلمي في تجسيد هذا الميثاق الوطني، معتمدين في ذلك على نزاهة الخبرة الجزائرية العلمية في المجال الإحصائي. وانتم تعلمون اننا قمنا بإعداد معايير علمية بداية من السبر العام للآراء حول الاصلاحات، واجتهدنا في تحليل المضمون والنتائج، والفرق بين الملاحظة الميدانية والاستقراء بما يتطلبه المنهج الإحصائي العلمي.
-
* وهل خرجت بوجود توافق بين الجانب النظري وبين الخرجات الميدانية؟
-
** عندما تنطلق من جوانب نظرية علمية وثابتة وبعيدة عن التهريج السياسي والنظرة الإقصائية، فإن الجوانب الميدانية تضيف لك انواعا جميلة من الوضوح والدقة والصدق، بالإضافة الى بناء أسوار صلبة من الثقة بيننا وبين من نلتقي بهم من ممثلي المجتمع المدني والمنتخبين والمسؤولين المحليين في كافة المستويات. تصور أن الذي يقود الوفد هو المبعوث الشخصي للرئيس بوتفليقة، أوليس هذا كافيا عند الجزائريين ان يضعوا كل ثقتهم في هذا التوجه الجديد. لقد حملنا الرئيس رسالة ثقيلة، وحملنا الشعب الجزائري في الشرق والغرب والجنوب والشمال رسائل أثقل، ونحن عبر “الشروق” التي نكن لها احتراما خاصا نعلن اننا سنلتزم اخلاقيا وعمليا في ايصال كل هذه الأصوات المعبرة والصادقة إلى المعني الأول بالأمر ضمن أرضية وطنية ستعمل بحول الله تعالى على إحداث التغيير الشامل والإيجابي الذي يتطلع إليه الجزائريون.
-
* وما هي الآليات الضامنة لتحقيق هذا المسعى؟
-
** الضامن الأول هو وجود إرادة سياسية صادقة ومصممة على إحداث هذا التغيير، والذي يتبنى هذه الارادة ويعمل على تجسيدها ميدنيا هو الإلتزام الشخصي للقاضي الأول في البلاد الذي أعلن صراحة عن تثبيت هذا الأمر وادماجه فورا ضمن البرنامج الوطني للاصلاحات، كما ان تكليف الحكومة بمهام المراجعة والدراسة والتنفيذ، وتحويل المسألة إلى قرارات ومواد قانونية دون المساس بالجوهر العام، هي كلها ضمانات تجعلنا اليوم اكثر يقينا ان الجزائر قد دخلت بالفعل مرحلة متقدمة في إحداث التغيير الاصلاحي الإيجابي.
-
* هناك من يقول ان قافلة الاصلاحات التي انطلقت مع مشاورات عبد القادر بن صالح لم تؤت أكلها الى حد اليوم؟
-
** الوضع مختلف تماما، ومسألة التمثيل الحزبي في الجزائر تحتاج الى دقة الدراسة والمعاينة. وانتم قد استمعتم في عنابة لتدخلات اعضاء المجتمع المدني حول هذه النقطة بالذات، بل أن حتى من بينهم من طالب بإحداث اصلاحات عميقة داخل هذه الأحزاب السياسية. وما قام به رئيس مجلس الأمة يعد حيزا هاما في الدائرة الاصلاحية في البلاد، وعلينا ان ننتظر التقرير النهائي لتلك المشاورات.
-
* من المتدخلين من طالب بإحداث المجلس الوطني او المحلي للمجتمع المدني، كيف تعلق على هذا المطلب؟
-
** لولا ايماننا الكبير بأهمية المجتمع المدني والحركة الجمعوية في الجزائر لما خصصنا لها حيزا كبيرا من الحضور والاهتمام والنقاش والإصغاء والمتابعة والتدوين، فهيكلة المجتمع المدني هو الحلقة المفقودة في الجزائر، ولهذا آن الآوان لأن نخصص له فضاء معترفا به محليا ووطنيا، وان نمكنه من أداء مهامه وفق نصوص قانونية وتنظيمية واضحة.
-
* وهل لنا ان نتعرف على بقية مراحل اللقاءات التشاوية الى غاية عقد الجلسة الوطنية بالعاصمة؟
-
** أؤكد لكم بأن هذه اللقاءات التشاورية ستتوج بالجلسات الوطنية حول التنمية المحلية المقررة في 22 ديسمبر القادم بالعاصمة، وستكرس بداية عهد جديد من التسيير المحلي القائم على الحوار.
-
كما ستشكل أرضية مقاربة بالنسبة للسلطات العمومية في مجال التسيير المحلي، وسيعتمد هذا الإجراء الجديد أساسا على الإصغاء والحوار الاجتماعي بين الحكومة، وكل شركائها من القاعدة إلى القمة دون استثناء بما سيسمح بتكييف أمثل لأدوات التدخل العمومي مع تطلعات السكان من أجل تنمية محلية ومستدامة.