الجزائر
عز الدين ميهوبي في حوار لـ"الشروق":

فيلم “زبانا” وجه “صفعة” إلى فرنسا الاستعمارية في خمسينية الاستقلال

الشروق أونلاين
  • 8051
  • 18
الشروق
الكاتب والشاعر عز الدين ميهوبي

أكد الكاتب والشاعر عز الدين ميهوبي أن فيلم شهيد “المقصلة” أحمد زابانا كان بمثابة “صفعة” لفرنسا في الذكرى الخمسين للاستقلال، وللرأي العام الفرنسي الذي ينظر إلى السينما الجزائرية على انها شكل من اشكال الدعاية لثورتنا المظفرة، حيث وظف في الفيلم مواقف فرنسية حقيقية هي في حقيقة الأمر إدانة للموقف الفرنسي الرسمي من الثورة الجزائرية حول مسائل التعذيب ومواقف المثقفين الفرنسيين، الذين وقفوا ضد تغيير أحكام العدالة بطريقة غير شرعية، واضاف ميهوبي الذي كان يشغل منصب كاتــب للدولــة مكلــــف بالإتصــــال في حوار مع “الشروق”، ان محاكمة “زابانا” مازالت مفتوحة إلى اليوم ويكفي ان العديد من الجامعات الفرنسية تدرسها كشكل من اشكال التعسف السياسي في توظيف العدالة لخدمة غاية سياسية.

يعود ميهوبي المعروف في حقل الشعر والرواية من خلال فيلم الشهيد “زبانا”، ما هي المراجع التي اعتمدت عليه؟

أحب ان اشير في هذا السياق الى ان 90٪ من مشاهد الفيلم تستند الى معلومات دقيقة وموثقة، لأن الأمر يتعلق بشخصية حقيقية وليست افتراضية، فالمراجع والوثائق التي اعتمدت عليها بالدرجة الأولى هي، عائلة الشهيد ورفقاءه من المجاهدين وبالأخص آخر رفقائه من مجموعة “غار بوجليدة”، المجاهد سعيد اسطمبولي الذي أمدني بمعلومات مفيدة تتناسب وطبيعة العمل الدرامي، الى جانب اعتمادي على مذكرات المناضل علي زعموم وهو الآخر كان محكوم عليه بالإعدام في سجن سركاجي، والتي وجدت فيها الكثير من التفاصيل الى جانب محاضر محاكمة زبانا الموثقة وشهادة محاميه محمود زرطان الذي حضر العرض، كما استعنت ببعض الكتابات الفرنسية التي وثقت لموقف السياسيين الفرنسيين ومن بينهم “فرانسوا ميتيران” من مسألة تنفيذ الإعدام في زبانا وكذا موقف الوطنيين الجزائريين بالإضافة الى شهادة المجاهد ياسف سعدي حول موقف جبهة التحرير من تنفيذ حكم الإعدام وردها عليها من خلال الانتقام لدم شهداء المقصلة، واعتقد ان العمل يستند الى شهادات تغطي مساحة الفيلم.

كم استغرقت من الوقت في عملية كتابة السيناريو؟

كتبت سيناريو العمل في مدة ثلاث سنوات ولفترات متقطعة، حيث قمت بإعداد ما أمكن من السيناريو، كما قام المخرج سعيد ولد خليفة بتحريات في الأرشيف الفرنسي للحصول على معلومات حول الشهيد الرمز حتى يكون الفيلم كاملا من حيث الحقائق والمعلومات.

ما هي الأحداث التي حرصت على التركيز عليها في الفيلم، خاصة في ظل قلة المعلومات الموثقة عن المسيرة النضالية للشهيد وإصرار السلطات الفرنسية الاحتفاظ بأرشيف ثورتنا في مراكزها؟

اعتقد اننا لسنا بصدد بصدد إنجاز عمل توثيقي، ولكننا أمام فيلم سينمائي، والمخرج و”السيناريستفي هذه الحالة ليسا مختصين في التاريخ، وبالتالي فإنهما يعتمدان على مواقع تاريخة ويقومان بترجمتها مع اضفاء هامش من الخيال الذي يشكل دورا مهما في صناعة جمالية العمل، ولكن أحب أن أؤكد على أن تناول شخصيات حقيقية لها بصمة في تاريخ الثورة يفرض جمع أكبر قدر من المعلومات المهمة، ولهذا فأنا انصح ان تكون فترة البحث أكثر من مدة تصوير العمل.

ماذا تقصد؟ هل هذا يعني انك تقلّل من اهمية عنصر “الخيال” الذي يشكل جانبا ضروريا في صناعة الفيلم الناجح؟

بمعنى آخر، انا لا أقلل من عنصر “الخيال السينمائي”، ولكنني أقصد أن الفيلم الناجح هو الفيلم الذي يأخذ أكبر قدر من الشهادات والمعلومات، واردنا ان يكون العمل السينمائي زبانا” تجربة مختلفة في الأفلام الجزائرية الثورية التي انجزت من قبل، ويقدم وجهة نظر جزائرية محضة في عديد القضايا خلال حقبة مهمة من تاريخنا، ولهذا ركزت على ابراز اهم التفاصيل المرتبطة بمقاومة الاستعمار اهمها، واقعة الهجوم على بريد وهران 49 سنة 1949، إبراز بيان أول نوفمبر وانتشاره، دور محامي جبهة التحرير، وكذا التركيز على التوظيف السياسي للعدالة السياسية، وتكريس حكم الإعدام للشهيد زبانا للحد من انتشار الثورة، وذلك من خلال عرض موقف “فرانسوا ميتيران” الذي ظهر في الفيلم وكشف مواقف عديد الساسة الفرنسيين في تلك الفترة، فالفيلم استعمل الأدوات التي استعملتها فرنسا في ذلك الوقت لإدانة فرنسا الاستعمارية اليوم، واعتقد ان الفيلم وجه سلاح فرنسا الى صدرها دون شعبوية أو منطق “دعائي” وكان بمثابة صفعة لها في خمسينية الاستقلال.

بمعنى؟

الرأي العام الفرنسي ينظر الى السينما الجزائرية على اساس انها تحمل قيما دعائية للثورة، ولكن من خلال فيلم “زبانا” قمت بتوظيف مواقف فرنسية حقيقية هي في حقيقة الأمر إدانة للموقف الفرنسي الرسمي من الثورة الجزائرية في مسائل التعذيب ومواقف المثقفين الفرنسيين، الذين وقفوا ضد تغيير أحكام العدالة بطريقة غير شرعية، ويكفي ان اقول ان محاكمة زبانا مازالت مفتوحة الى اليوم، وهناك جامعات فرنسية تدرس هذه المحاكمة كشكل من اشكال التعسف السياسي في توظيف العدالة لخدمة غاية سياسية، فمشهد تنفيذ الإعدام في زبانا، وتوقف المقصلة مرتين، يقتضي تلقائيا عدم تنفيذ الحكم، لأن العناية الإلهية شاءت ذلك، غير ان أوامر عليا من باريس دعت الى تنفيذ الإعدام مهما كانت المبررات، وهذا يعتبر خرقا للأعراف.

هل تعتقد ان تناول العمل لمثل هذه الحقائق هو المتسبب في رفض قبول مشاركته في مهرجان “كان” بباريس في طبعته الماضية؟

الفيلم في بدايته، وسيشارك يوم 7 سبتمبر في مهرجان “نورونتو” في كندا، وهو من أهم المهرجانات العالمية للصناعة وتسويق السينما، وهذا سيمنح له فرصة الدعاية، الى جانب مشاركته في مهرجان دبي القادم، كما سيبرمج ابتداء من اكتوبر القادم في قاعات العرض الجزائرية، اما قضية رفض عرضه في مهرجان كان بفرنسا فقد يكون هذا راجع لأسباب متعلقة بطبيعة الفيلم او اشياء أخرى نجهلها.

هل تتوقع ان يحدث نفس الضجة التي أحدثها “الخارجون عن القانون” لدى عرضه في كندا؟

انا لا اقيم مقاربات او مقارنات بين الأفلام، لكل فيلم هوية ومرجعية فنية، ولا انظر الى فيلم زبانا” كفيلم حربي بحت، ولكنه يتناول تفاصيل في الذاكرة الثورية الجزائرية من خلال سيرة مناضل ارتبط اسمه بوجدان الشعب الجزائري، كونه اول من نفذ فيه حكم الإعدام بالمقصلة. اما “الخارجون عن القانون” فهو شكل مختلف.

هل تعتقد ان الانتاجات المشتركة، خاصة في ما يتعلق بسينما الثورة تفرض علينا كجزائريين التنازل عن بعض الجوانب؟

السينما هي سوق مفتوحة، ولا يمكن وضع كل الأفلام في سلة واحدة، فكل فيلم يقدم نفسه بطريقته، ولكن الفيلم المشترك يكون يميل الى هذا الطرف او ذاك او يقدم قراءة منحرفة او صائبة، وفي كل الحالات العمل يطرح أسئلة وليس مضطرا لتقديم اجوبة، واحب ان اقول اننا في هذه المرحلة نحن بحاجة الى الرفع من وتيرة انجاز اكبر عدد من الأفلام التي تتناول هذا النوع من الحقائق، لأن قناعتي هي اننا نملك كثيرا من التاريخ وقليلا من الذاكرة، فلن نوسع في مساحة الذاكرة في هذا النوع من الأفلام التي يمكنها ان تمنح الأجيال الجديدة معالم في تاريخها وفي تعاملها مع الشأن الوطني والثقافي.

ما هي الأماكن التي زرتها خلال عملية كتابة السيناريو؟

زرت وهران والتقيت برفاق الشهيد، وزرت كذلك غار بوجليدة، اين تم توقيفه يوم 8 نوفمبر من سنة 1954، كما التقيت ما بقي من عائلته وهو اخوه عبد القادر الذي لم يتجاوز عمر 6 سنوات لدى استشهاد زبانا، واحب ان اشير الى ان انجاح العمل تطلب بناء جناح المحكوم عليهم بالإعدام في سجن سركاجي، وقمنا ببناء جناح في حديقة بن عكنون بشكل ممتاز لدرجة ان الأمر التبس على بعض المحكوم عليهم بالإعدام عندما زاروا مكان التصوير واعتقدوا انهم داخل السحن فعلا لدقة التشابه بين المكانين، وهو ما يؤكد فنية المخرج سعيد ولد خليفة والمنتج ياسين العلوي في تقديم فيلم بالمعايير الاحترافية، كما قاما بإجراء كاستينغ” مس اكثر من 450 ممثل لاختيار الشخصيات التي تجسد العمل وتم انتقاء شباب لم يسبق لهم ان وقفوا امام الكاميرا واغلبهم من مواليد الثماينيات، تماشيا مع أعمار المناصلين المحكوم عليهم بالإعدام الذين لم ينجاوزوا سن الثلاثين.

هل تملك فكرة عن الغلاف المالي الذي رصد للعمل؟

لا أملك فكرة عن المبلغ بالتدقيق، ولكن يمكن القول ان وزارة المجاهدين ووزارة الثقافة من خلال المركز الوطني للدراسات الثقافية ومركز الإشعاع الثقافي مكنا الفيلم من كل القدرات المالية التي تضمن له الظهور بالمعايير السينمائية الحقيقية الى جانب الدعم اللوجيستيكي لوزارة الدفاع الوطني ومختلف المؤسسات الاقتصادية.

هل انت راض عن العمل، وهل تلقيت انتقادات من عائلته او بعض الشخصيات الرسمية التي شاهدت الفيلم؟

الفيلم جاء كما أردناه نحن الثلاثة، واقصد نفسي والمخرج والسيناريست السعيد ولد خليفة، وكذلك المنتج نأمل ان يشاركنا في هذه الرؤيا الجمهور الذي شاهد العروض الأولية للفيلم، اما فيما يتعلق بعائلته فقد كانت جد سعيدة بتدوين مسيرة ابنها في عمل سينمائي، واعتقد ان الفيلم الخالي من الانتقادات هو الفيلم الذي تنجزه الملائكة، وما اريد التنبيه اليه هو ان شخصية زبانا هي شخصية مغايرة لبقية الشخصيات الثورية الأخرى، لأنني وجدت نفسي ملزما بجمع معلومات عن شخصيته التي لم يزد عمرها في الثورة عن ثمانية ايام، وبقية فترة كفاحه قضاها بين السجن والمقصلة، وانطلاقا من ذلك كان التوجه هو التركيز على بعض تفاصيل مسيرة الرجل التي تقدم خدمة للذاكرة والثورة الجزائرية.

مقالات ذات صلة