-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فِتنٌ طائفية مُنتنة

حسين لقرع
  • 852
  • 1
فِتنٌ طائفية مُنتنة

ما شهده لبنان وأفغانستان، يومي الخميس والجمعة الماضيين، على التوالي هو مؤشّرٌ خطير يُنذر بشرٍّ مستطير على البلدين معا.

في لبنان، أقدم عناصر من “القوات اللبنانية” التابعة لسمير جعجع على اعتلاء أسطح العمارات وإطلاق الرصاص الحيّ على متظاهرين خرجوا إلى الشارع للاحتجاج سلميّا على طريقة المعالجة القضائية لملف تفجيرات ميناء بيروت قبل نحو سنة، وقد أنكر أنصارُ جعجع على أنصار حزب الله وحركة أمل حقهم في التظاهر السلمي وواجهوهم بالرصاص وقتلوا 7 منهم وجرحوا 30 آخر. وبعد الجريمة نضح خطابُ الكراهية في لبنان، وتصاعدت الاستقطاباتُ الدينية والطائفية، ومورس الشحنُ المذهبي والتحريض والتشفّي بشكل خطير وغير مسؤول، وكأنّ الأزمة الاقتصادية الحادّة التي يعيشها لبنان منذ نحو سنتين بفعل الحصار الأمريكي وأفقرت 76 بالمائة من شعبه حسب الأمم المتحدة، لم تكفِه، ولا بدّ من الزجّ به في أتون حربٍ أهلية ثانية لا تُبقي ولا تذر هذه المرة، بعد أن خلّفت الحرب الأهلية الأولى بين سنوات 1975 و1990 بلدا منهَكا خائرا مدمَّرا لم يتعافَ من جروحه سوى بعد سنوات طويلة. وإذا دخل لبنان -لا قدّر الله- حربا أهلية ثانية هذه المرّة فستكون نهايتُه الحتمية هي التفكّك والصوملة، بعد أن تحوّل الآن إلى بلدٍ فاشل، وانهارت عملتُه، وتفشى فيه البؤس وعجز الكثيرُ من سكانه عن توفير القوت لأطفالهم بانتظام.

لذلك لا يسعُنا، ونحن نرى الفتنة الطائفية المُنتنة تطلّ برؤوسها على هذا البلد الشقيق، إلا أن نحذّر مختلف الفرقاء الذين يمارسون اصطفافاتٍ طائفية خطيرة هذه الأيام، من تكرار ما حدث في بوسطة عين الرمانة؛ يكفي أنّ هذه المنطقة هي التي انطلقت منها شرارة الحرب الأهلية الأولى سنة 1975، وهذا نذيرُ شؤم، صحيحٌ أن حزب الله قد آثر هذه المرة اعتماد سياسة ضبط النفس وكظم الغيظ وعدم الردّ على اعتداء “القوات اللبنانية” بالسلاح، ولكن أيّ اعتداءاتٍ أخرى قد تفجّر الوضع كما تخطّط أمريكا وحلفاؤُها، ولن يخسر فيها حزبُ الله وحده، بل ستخسر كل الأطراف، ويضيع لبنان الموحّد ويتفكّك وينهار.

وفي أفغانستان، وقع تفجيران لمسجدين شيعيين في جِمُعتين متتاليتين أوقعَا مئات القتلى والجرحى، وتبنّاهما تنظيم “داعش” الإرهابي المتطرّف. وبداهة أنّ الإسلام يحرّم تدمير دور عبادة غير المسلمين، ككنائس النصارى ومعابد اليهود ويكفل لهم حرية العبادة، فما بالكم بدور عبادة المسلمين. والملاحَظ أنّ “داعش” قد كثّفت عملياتها في أفغانستان منذ الانسحاب الأمريكي في أواخر أوت الماضي، ولم تكن قبلها تستهدف الاحتلالَ إلا قليلا، تماما مثلما رفضت من قبل استهداف الاحتلال الصهيوني وهي على حدود فلسطين مع سوريا، وهي تحارب طالبان الآن وتنغّص عليها فرحة دحر أقوى دولةٍ في العالم مدعومةٍ بقوات الحلف الأطلسي بعد 18 عاما من الصمود والمقاومة البطولية وتقديم التضحيات، فمن يقف وراء هذا التنظيم الدموي المتطرّف؟

الأمر لم يعُد سرّا على أحد، هناك أدواتٌ عديدة تستعملها أمريكا للانتقام من خصومها واستنزافهم وإدخالهم في أزمات لا حصر لها، ويتساوى في ذلك حزب الله الشيعي الذي كسر العجرفة الصهيونية في عام 2000 وعام 2006 وطالبان السُّنية التي قهرت أمريكا العظمى، كلّ من يقف في وجه المشروع الأمريكي- الصهيوني في العالم العربي والإسلامي ويُفسده يتعرّض للحصار الاقتصادي والتجويع والمؤامرات والمكائد بمساعدة أدواتٍ عديدة، قد تكون إرهابية حينا، وحلفاء موالين أو مطبّعين حينا آخر.. الأدواتُ تختلف والمشروع واحد، وهو تركيع المنطقة كلها بوسائل مختلفة، ومنها تفجير حروب دينية وطائفية.. وعرقية أيضا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • المتأمِّل في بلدي

    الطائفية مرض خبيث في جسم الأمّة