الرأي

قانون‮ ‬منع‮ ‬النفاق

كثيرا ما كنت أتساءل عن هذه الأموال الطائلة التي تبذرها المؤسسات والهيآت الرسمية في هذه التعازي والتهاني، وأقول لماذا تضيع أموال الشعب في هذه الشكليات، في الوقت الذي لا يجد كثير من الناس قوتهم وقوت عيالهم؟

لقد أعجبني ما صرح به الدكتور محمد عادل العوا، الذي ترشح في مصر للانتخابات الرئاسية في السنة الماضية، التي فاز فيها الدكتور محمد مرسي، الذي أسقطه في هذه الأيام سفهاء مصر وبلطجيتها، ولصوصها، بمساعدة من يخادعون الله بادعاء “خدمة” الإسلام، ممن قال فيهم الإمام الإبراهيمي‮: “‬وضع‮ ‬الأجداد‮ ‬العقال‮ ‬للرّجل‮ ‬فنقله‮ ‬الأحفاد‮ ‬إلى‮ ‬الرأس،‮ ‬وعدلوا‮ ‬به‮ ‬من‮ ‬الأباعير‮ ‬إلى‭ ‬الناس،‮ ‬وما‮ ‬بين‮ ‬النقل‮ ‬والنقل‮ ‬ضاع‮ ‬العقل‮”.‬

إن الذي قاله الدكتور العوا في حملته الانتخابية هو : “أول قرار سوف أتخذه حين أتولى منصب الرئاسة إذا أمكنني الله من هذا المنصب إصدار “قانون منع النفاق”، حيث كان في العهد السابق (عهد اللامبارك) تصرف الملايين في التهاني والتعازي وفي المناسبات”. (جريدة الخبر في‮ (‬7‮ ‬‭-‬‮ ‬3‮ ‬‭-‬‮ ‬2‮ ‬‭/‬‮ ‬20‮. ‬ص‮ ‬12‮). ‬وأنبه‮ ‬إلى‭ ‬أن‮ ‬هذه‮ ‬التهاني‮ ‬والتعازي‮ ‬تأخذ‮ – ‬أحيانا‮ – ‬صفحات‮ ‬كاملة‮ ‬وبالألوان‮ ‬ما‮ ‬يعني‮ ‬أنها‮ ‬تكلف‮ ‬الملايين‮..‬

وقد قرأت يوم الخميس الماضي (18 – 7 – 2013) في جريدة الشروق اليومي أن وزير التجارة مصطفى ابن بادة قال: “فالإدارات تسجل مظاهر تبذير، فأطنان من الورق تذهب في برقيات تهان وتعاز تكلف الدولة ملايين الدينارات وأحيانا الملايير”، وهذا مما يؤكد صحة المثل القائل: “كلنا‮ ‬في‮ ‬الهم‮ ‬شرق‮”.‬

إذا كان ابن بادة – وزير التجارة – لم يعط وصفا لهذه البرقيات التي ينشرها المسؤولون في مختلف المؤسسات والمستويات ؛ فإن الدكتور العوا اعتبرها – وهو صادق – نوعا من النفاق.. والتملق .. والتزلف لهذا الشخص أو ذاك، خاصة إن كان ملكا أو أميرا أو رئيسا… وأؤكد أن كثيرا من هذه البرقيات لا يكتبها أولئك المسئولون “الكبار” ولكنهم يعهدون بكتابتها إلى غيرهم، لا لضيق أوقاتهم، أو كثرة انشغالاتهم بمشكلات الشعب؛ ولكن لعجزهم حتى عن كتابة برقية من سطرين أو ثلاثة.. وإلى هؤلاء المسئولين يشير أحد الشعراء بقوله:

ضل‮ ‬شعب‮ ‬يقوده‮ ‬غير‮ ‬كفء‭**‬ويقود‮ ‬المنافقون‮ ‬زمامه

كيف‮ ‬تحيا‮ ‬البلاد‮ ‬والحكم‮ ‬فوضى‭**‬‮ ‬ورؤوس‮ ‬البلاد‮ ‬صرعى‮ ‬زعامه

إن‮ ‬في‮ ‬هؤلاء‮ ‬المسئولين‮ ‬الذين‮ ‬يبذرون‮ ‬مال‮ ‬الأمة‮ ‬في‮ ‬مثل‮ ‬هذه‮ ‬الأمور‮ (‬تعازي،‮ ‬تهاني‮) ‬فيهم‮ ‬صفتين‮ ‬ملعون‮ ‬من‮ ‬يتصف‮ ‬بهما،‮ ‬ويواردانه‮ ‬جهنم‮ ‬وبئس‮ ‬المصير،‮ ‬وذلك‮ ‬هو‮ ‬الخسران‮ ‬المبين‮..‬

فأما‮ ‬الصفة‮ ‬الأولى‮ ‬فهي‮ ‬التبذير،‮ ‬والله‮ – ‬عز‮ ‬وجل‮ – ‬يقول‮ ‬في‮ ‬القرآن‮ ‬الكريم‮ ‬عن‮ ‬المبذرين‮: “‬ولا‮ ‬تبذر‮ ‬تبذيرا،‮ ‬إن‮ ‬المبذرين‮ ‬كانوا‮ ‬إخوان‮ ‬الشياطين‮”.‬

وأما‮ ‬الصفة‮ ‬الثانية‮ ‬فهي‮ ‬النفاق‮ ‬الذي‮ ‬جاء‮ ‬في‮ ‬القرآن‮ ‬الكريم‮ ‬عن‮ ‬أصحابه‮: “‬إن‮ ‬المنافقين‮ ‬في‮ ‬الدرك‮ ‬الأسفل‮ ‬من‮ ‬النار‮”.‬

فانتبهوا‮ ‬يا‮ ‬من‮ ‬غلبت‮ ‬عليهم‮ ‬شقوتهم،‮ ‬فإذا‮ ‬كانت‮ ‬أم‮ ‬المؤمنين‮ ‬عائشة‮ – ‬رضي‮ ‬الله‮ ‬عنها‮ – ‬تتصدق‮ ‬بشق‮ ‬تمرة‮ ‬لتنجو‮ ‬من‮ ‬سقر،‮ ‬فكيف‮ ‬تتجرأون‮ ‬بتبذير‮ ‬الملايير‮ – ‬كما‮ ‬شهد‮ ‬شاهد‮ ‬بما‮ ‬علم‮ -‬

ولتعلموا‮ ‬أن‮ ‬الله‮ ‬عز‮ ‬وجل‮ ‬حكم‮ ‬على‭ ‬المبذرين‮ ‬للمال‮ – ‬خاصّا‮ ‬كان‮ ‬أو‮ ‬عاما‮ – ‬بالسفاهة،‮ ‬ونهى‭ ‬المسلمين‮ ‬عن‮ ‬إتيان‮ ‬أموالهم‮ ‬للسفهاء‮..‬

مقالات ذات صلة