-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قراءة في مذكّرات المجاهد المرحوم محمد قديد

د. حسين بوبيدي
  • 677
  • 0
قراءة في مذكّرات المجاهد المرحوم محمد قديد

صدر عن “منشورات الوطن” مذكراتٌ تاريخية بالغة الأهمية، خطَّها أحد أعضاء القيادة الأولى بمنطقة الشمال القسنطيني في الثورة التحريرية، ويتعلق الأمر بالمجاهد القائد: محمد قديد الذي وافته المنية يوم: 12 سبتمبر 2021 في إحدى موجات وباء كورونا؛ ولم يكتب له أن يشهد طباعة مذكراته التي أتم تدوينها من قبل، وقد تكفّل الباحثان علاوة عمارة، أستاذ التعليم العالي بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، ورياض شروانة، طالب الدكتوراه في جامعة السوربون، بإخراج هذه المذكرات بعد عملية مراجعة وتدقيق لغوي لها، محافظين على النص كما خطّه صاحبه، ومنفّذين -بالتشاور مع عائلته- وصية الكاتب بنشرها.

كتب عمارة وشروانة مقدّمة للمذكرات حول بداية علاقتهما مع الفقيد واستفادتهما منه، إذ كانت شهادته ذات أهمية كبيرة في كتابة علاوة عمارة لكتابه حول الشهيد القائد: محمد الصالح بلميهوب، وكتابه الآخر حول الشهيدين القائدين: عمار بوضرسة وعلاوة بوضرسة؛ كما تضمنت المقدمة الترتيبات التي جرت مع العائلة لإخراج المذكرات، بعد تسلّم نسختها المخطوطة، بالإضافة إلى تلخيص لما تضمنته فصولها، إذ أكد الباحثان أهمية هذا النص ودقّته التي تسندها الوثائق الأرشيفية وتؤكدها.

انطلق محمد قديد رحمه الله في الفصل الأول من مذكراته بتدوين الذاكرة الجماعية لعائلته حول أصول الأسرة (عشيرة خناشل من قبيلة أولاد عطية)، وما احتفظ به من صور عن طفولته في مشتة شعبة التوميات في دوّار أمّسونة ببلدية الحروش، حيث ترك لنا بعض الملاحظات عن نشأة هذه المشتة، وبعض عاداتها الاجتماعية وظروفها الاقتصادية، ثم مساره التعليمي القرآني وختمه للقرآن الكريم، ومعايشته لأحداث وآثار الحرب العالمية الثانية، انطلاقا ممّا سمّي: احتفالات عيد النصر التي انتهت بالمجزرة الاستعمارية الرهيبة في 8 ماي 1945، ثم تبعات ذلك على الحركة الوطنية الجزائرية التي بدأت الرؤى فيها تتقارب بعد تفكك تجمع “أحباب البيان والحرية”، وعودة بعض التيارات إلى “الأماني الانتخابية ووعود الإدارة الفرنسية”، إذ يؤكد محمد قديد أن حزب الشعب استمر في تبني الخط الاستقلالي، رغم مشاركته في كل الانتخابات بعد مقاطعته لدورة 1946 إلى غاية اندلاع ثورة 1 نوفمبر 1954.

خصص محمد قديد في الفصل الثاني من مذكراته لمدينة قسنطينة، حيث انتقل نهاية 1946 إلى الزاوية التيجانية لإتمام دراسته، ثم حوّل إلى معهد الكتانية، ووضعنا في سياق تشكل الوعي الوطني والحسّ النضالي عند الطلبة نتيجة نشاط الأحزاب الجزائرية بالمدينة، وهو الذي جعل محمد قديد ينخرط في صفوف حزب الشعب، وانتقل من صفة العضو إلى تولي مسؤولية خلية الطلبة بمعهد الكتانية وثانويات المدينة ومؤسسات أخرى، مؤكدا دعم أساتذة من المعهد الذي ينتسب إليه للنشاط الطلابي الوطني.

ويقحمنا قديد رحمه الله في طريقة عمل حزب الشعب في ترسيخ الوعي النضالي الثوري عند مناضليه، ثم يعرّج على الأنشطة السياسية التي حضرها، وموقف الحزب من المشاركة الانتخابية والنقاشات التي وقعت حولها في تلك المرحلة، وأنه اتجه بعد خيار المقاطعة إلى المشاركة تحت اسم: حركة انتصار الحريات الديمقراطية، واعتبر هذه المشاركة ركونا إلى الخيارات السهلة، وأن كثيرا من قواعد الحزب لم تكن موافقة عليها، ومع تفصيله في أنشطة قسمة الحروش وبعض المسائل التنظيمية فيها، نقل لنا طبيعة التفاعل النضالي مع الحركة الوطنية في تونس والمغرب، ولم يفوِّت قديد الحديث عن اكتشاف المنظمة الخاصة بتبسة سنة: 1950، ثم زيارة مصالي الحاج إلى الشرق الجزائري سنة: 1952؛ ولأن قدّيد اهتم كثيرا بذكر الأسماء التي تستحضرها ذاكرته، فهو يشير إلى مسارات بعضها بعد تخرُّجهم، ومن بينهم محمد بوخرّوبة المعروف لاحقا بهواري بومدين الذي اختار التوجه إلى مصر، وقد أنهى هذا الفصل بظروف حصوله على شهادة الأهلية سنة: 1953.

في الفصل الثالث نجد معطيات تفصيلية حول التنظيم الهيكلي لحزب الشعب، ومن خلال موقعه كعضو في قسمة الحروش، يدلف قديد إلى أزمة الحزب، مشيرا إلى اجتماع هام عقد في مدينة سكيكدة في جويلية 1953 بإشراف سعد دحلب ومشاركة مسؤول الدائرة يومئذ: إبراهيم حشاني (سي محمود)، في سياق عرض ما يتعلق بمؤتمر الحزب، ثم يضعنا في منجم من المعلومات بالغة الأهمية حول اتصال يوسف زيغود –المتابع أمنيا في إطار المنظمة الخاصة وفراره من سجن عنابة- بقسمة الحروش في 1953 عبر وساطة صهره عمار بوضرسة، وهذا لطلب مساعدة القسمة في التكفل بالمناضلين المطارَدين، وتركّز زيغود يوسف بدوّار الصوادق واللقاءات المتعددة للمؤلف معه.

ومن خلال شهادته نفهم أثر الانشقاق الذي حدث في قيادة حركة الانتصار بين المصاليين والمركزيين على القواعد النضالية التي والت أغلبيتها رئيس الحزب مصالي، وأساليب الطرفين في الترويج لوجهة نظرهم عند المناضلين، وتشكل التيار الثالث “الحيادي” الذي يرسم قديد مسار ظهوره بعد اتصال محمد مشّاطي ومحمد بوضياف بالقسمات وقدماء المنظمة الخاصة، ثم اتصال مراد ديدوش بمنطقة الشمال القسنطيني في خضمّ اشتداد أزمة الحزب الاستقلالي ومرافقة المؤلف له إلى قسنطينة وباتنة وعنابة، وهذا التيار هو الذي سينتهي إلى تبني خيار الكفاح المسلح، وقد أوضح صعوبة اختراقه لقسمة الحروش التي والى أغلب أعضائها جناح المركزيين بينما أيّد اثنان منهم الخيار الحيادي ومن ثمّ الثوري هما: محمد قديد ذاته، وبلقاسم بن غرس الله، لكن ذلك لم يمنع من التوسُّع التدريجي لهذا الموقف على مستوى القاعدة النضالية.

وختم هذا الفصل بآخر اجتماعات قسمة الحروش ضمن حالة الاصطفاف الحزبي: مع أحمد مزغنة في جويلية 1954 وعبد الحميد مهري في أوت من نفس السنة.

اختص الفصل الرابع من هذه المذكرات بتحضيرات الثورة في الشمال القسنطيني، وحفِل بمعلومات بالغة الأهمية؛ وخصوصا في ناحيتي الحروش والسمندو، وتبرز في هذا الفصل الأدوار الهامة التي قام بها محمد قديد في هذه التحضيرات، إذ أسند له ديدوش مراد -رفقة بلقاسم بن غرس الله ورابح رمضان- الإشراف على تأسيس الأفواج الأولى لتفجير الثورة، وقدّم لنا قائمة بأسماء هؤلاء المجاهدين النوفمبريين، ويعرض للعديد من الاجتماعات والشخصيات الثورية الفاعلة فيها، وجهودهم في توفير السلاح من خلال البحث عن أسلحة المنظمة الخاصة وجمع ما أمكن الوصول إليه وإصلاحه، ثم عملية توزيع هذه القطع.

ويفرد المناضل عبد السلام بخوش المعروف بسي الساسي بالحديث عن قصة التحاقه بالجبل في نهاية 1954 بعد مغادرته لمدينة قسنطينة بسبب المتابعة الأمنية، والذي سيصبح نائبا أوّل للمؤلف في التنظيم الثوري بالحروش، ويطلعنا على سياق انتقال بن طبّال من المنطقة الأولى إلى الثانية وتكليفه بناحية ميلة خلفا لعمار بن عودة الذي تحوّل إلى عنابة، ثم تكليف مراد ديدوش لمحمد قديد وعبد السلام بخوش بالتنقل إلى مدينة قسنطينة؛ لإعادة إحياء النظام الثوري بها بعد تفكُّكه تبعا للخلاف بين محمد بوضياف ومجموعة قسنطينة.

يبدأ محمد قديد الفصل الخامس بسرد مجريات اجتماع السمندو في: 28 أكتوبر 1954 بقيادة مراد ديدوش لوضع الترتيبات الأخيرة لتفجير الثورة بالمنطقة، والتدقيق في استعدادات مختلف الأفواج، ثم عرض بالتفصيل لمجريات عمليات أول نوفمبر على مستوى النواحي المعنية (السمندو والحروش وميلة وعنابة وسوق هراس)، والأسباب التي منعت بعضها من تنفيذ الهجمات التي كُلّفت بها، وقدّم قائمة دقيقة لكل الأفراد الذين شاركوا في عملية تفجير الثورة بالمنطقة، ثم عرّج على الاجتماع التقييمي الذي عقده ديدوش مراد في 2 نوفمبر 1954 والتي قرر فيه تنفيذ هجمات أخرى في 8 و9 نوفمبر، وقد لاحظ مقدِّما الكتاب أن هذه المعلومات “تنفرد بها هذه المذكرات وتتقاطع بشكل مباشر مع الوثائق المستخرَجة من الأرشيف الفرنسي”.

في الفصل السادس يقدم محمد قديد معطيات مهمة جدا تتعلق بتوسيع الثورة وحشد الدعم لمصلحتها، فقد رافق صاحب المذكرات قائد المنطقة مراد ديدوش في الاتصال بشخصيات سياسية وازنة، وعمل على ضم أعضاء القسمات المترددين إلى مشروع الكفاح المسلح، ونسج علاقات بينهم لتوسيع الثورة.

وفي هذا السياق نكتشف أن ديدوش وقديد انتقلا إلى مدن قسنطينة وسكيكدة وبلدات عزابة ووادي زناتي، وأشرفا على هيكلة الثورة، وقدم قدّيد تفاصيل اللقاء مع مسعود بوجريو المسؤول العام عن نظام الثورة بقسنطينة، وضمن هذا المسعى جرى الاتصال ببعض قادة التيار المصالي، وفي مقدمتهم الشيخ حاج بلقاسم زيناي المعروف بالشيخ البيضاوي، وحمّادي كرومة مسؤول دائرة سكيكدة الحزبية.

ومن خلال تفاصيل المحادثات نستوعب ما كان يموج من تصورات وأفكار في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الثورة التحريرية، كما سجل لنا محمد قديد في هذا الفصل التنظيم الأول للمشاتي ضمن النظام المدني للثورة.

خصص محمد قديد الفصل السابع من مذكراته لتبيان ملابسات توقيفه في سكيكدة بتاريخ: 26 ديسمبر 1954 وهو يستعدُّ للانتقال إلى البويرة في إطار مهمة كلفه بها مراد ديدوش قائد المنطقة الثانية، لأجل تحضير اجتماع لقادة المناطق وتقييم انطلاقة الثورة التحريرية، وقد تمكن صاحب المذكرات من التلاعب بجلاديه رغم التعذيب الشديد الذي تعرَّض له، وأنكر التهم الموجهة إليه، وحفظ المعلومات السرية المتعلقة بالتنظيم السري للثورة بالشمال القسنطيني، والذي كان مطَّلعا على كل تفاصيله باعتباره أحد أهم الفاعلين في تشكيله، وتمكّن من مراوغة معذبيه حول الهوية الخاصة بصاحب اسم: سي مسعود (الاسم الثوري لديدوش مراد)، الذي كان يومها بنزل ميرامار بسطورة، ولم يغادر إلا يوم: 3 جانفي 1955، وفي هذا السياق لاحظ الأستاذان اللذان قدّما للكتاب –وهما من الباحثين الأرشيفيين المقتدرين- أن معلومات محمد قديد في مذكراته تتوافق مع ما جاء في وثائق شرطة الاستعلامات العامة ( (PRGعن الإجابات التي قدمها للمستنطقين؛ عندما سألوه عن رفيقه سي مسعود، فأجابهم أن اسمه الكامل هو: مسعود حشاني وهو من عزابة، وقد نتج عن مقاومته للتحقيقات إطلاق سراحه واتصاله بالنظام الثوري من جديد، لكن من دون مراد ديدوش الذي استُشهد في معركة مشتة قراوة بوادي بوكركر (دور الصوادق- السمندو) في 18 جانفي 1955.

انتقل محمد قديد في الفصل الثامن من الذاكرة والشهادة إلى الرواية، إذ ذكر فيه التطورات التي حدثت بالشمال القسنطيني سنة 1955 (هجمات 20 أوت، إعدام القادة القسنطينيين الثلاثة (عبد السلام بخوش “سي الساسي”، اسماعين زيغد، عبد الوهاب زادي “سي الشريف”) وذلك خلال مؤتمر تايراو في بداية نوفمبر 1955.

وقد نبّه عمارة وشروانة في مقدمة الكتاب إلى أن هذا الفصل شابته اضطرابات في المعلومات، سبق وراجعا فيها المؤلف، وسبب ذلك أن المؤلف أورد ما بلغه من قيادات المجاهدين الذين أصبحوا لاحقا في قيادة الولاية، أو ما قرأ بعد ذلك، ليعود في الفصل التاسع إلى سيرته الشخصية الثورية، ونجد أنفسنا أمام حادثة اعتقاله من جديد يوم 30 جانفي 1955 في طريقه -بطلب من زيغود يوسف- لاسترجاع بعض قطع السلاح من مدينة سكيكدة كان قد نقلها لمكانها مع ديدوش مراد، وأرجع سبب اعتقاله إلى استثمار الأجهزة الاستعمارية في المعلومات التي أدلى بها مناضلون تم اعتقالهم قرب الحروش، ولعلم الاستعمار بدوره وموقعه هذه المرة؛ فقد تعرّض لتعذيب شديد، وانتقل بين مختلف السجون (سجن سكيكدة، سجن القصبة بقسنطينة، سجن بربروس/ سركاجي، وسجن البرواقية)، ليُحكم عليه بثمان سنوات سجنا نافذة، ثم بأربع سنوات سجنا نافذة في محكمة الاستئناف.

وفي هذا الفصل نجد شهادات عن أوضاع الجزائريين المسجونين زمن الثورة، وما تعرّضوا له في القاعات والزنازين، وطبيعة الوعي الوطني بينهم، وتداول أخبار الثورة وإنجازاتها، كما يعرّج محمد قديد على صدى بعض الأعمال وأهمها هجومات 20 أوت 1955.

بعد خروج محمد قديد من السجن؛ وقد أكمل محكوميته نهاية جانفي 1959 وعاد إلى العمل الثوري من جديد، تتخذ المذكرات طابعا مختلفا، فقد انتقلت من التأريخ من منطلق الشخصية القيادية الصانعة للأحداث، إلى شخصية ثورية في القاعدة تسجّل مشاهداتها على وضع الثورة، ففي الفصل العاشر يدوّن محمد قديد نظرته إلى التحولات التي طرأت على النظام الثوري، مركزا على السياسات الاستعمارية القمعية على المجتمع الجزائري من تهجير وتقتيل وتخريب ومحتشدات، وسطوة للأجهزة الأمنية في المدن التي أصبحت كالمعتقلات بسبب كثرة المخبرين، كما يعرض إلى حادثة توقيفه بمدينة سكيكدة من جديد إذ اتهم بعدم تواصله مع مركز لاصاص ( (SAS وأنه يحضِّر للانخراط في العمل المسلح، وبعد 3 أيام من الاعتقال في أحد الأقبية والاستجواب والضغط النفسي أطلق سراحه بعد أن عجزت الأجهزة الاستعمارية عن إيجاد أدلة تدينه.

وقد تمكن صاحب المذكرات من التلاعب بجلاديه رغم التعذيب الشديد الذي تعرَّض له، وأنكر التهم الموجهة إليه، وحفظ المعلومات السرية المتعلقة بالتنظيم السري للثورة بالشمال القسنطيني، والذي كان مطَّلعا على كل تفاصيله باعتباره أحد أهم الفاعلين في تشكيله، وتمكّن من مراوغة معذبيه حول الهوية الخاصة بصاحب اسم: سي مسعود (الاسم الثوري لديدوش مراد)، الذي كان يومها بنزل ميرامار بسطورة، ولم يغادر إلا يوم: 3 جانفي 1955،

في الفصل الحادي عشر يعود صاحب المذكرات إلى ظروف التحاقه بجيش التحرير الوطني في الولاية الثانية من جديد، مسجلا الطريقة التي مكنته من رابط الاتصال بالمجاهدين، ثم توليه تدريجيا لمسؤوليات جديدة بداية من تعيينه كاتبا لقيادة القسم الثالث في الناحية الثانية بالمنطقة الثالثة من الولاية الثانية، وبعد سرد بعض الحوادث العسكرية (حصار جبل بيسي ومعركة كاف السراق) يقدم لنا وصفا عن التطورات التي طرأت على تنظيم وأوضاع الولاية، ويختم هذا الفصل بلقائه بقائد الولاية: صالح بوبنيدر (صوت العرب)، ويتقرر انتقال محمد قديد للمنطقة الرابعة من ذات الولاية التاريخية.

في الفصل الثاني عشر نتابع مع محمد قديد مساره بعد أن عُين مسؤولا سياسيا للقسم الأول في الناحية الأولى من المنطقة الرابعة المعروف بقسم العالية، والذي كان يضم خصوصا سكيكدة المدينة وضواحيها مثل: مغراوة ولمواوتة وفالي (حمروش حمّودي) والرماش والماتش وبني بشير وفلفلة وجبال العالية، وبعد استحداث قسم جديد يشمل مدينة سكيكدة ومحيطها القريب عُيّن قديد مسؤولا عاما له، وأشرف بذلك على النظام الثوري داخل المدينة بعدما اتخذ من جبل العيفات مركزا له، وفي الفصل نجد تفاصيل هامة تتعلق بقضايا محلية، ومسألة التسليح، وطريقة تعاطي الثورة مع عمليات شال، كما يتضمن التأريخ لبعض الكمائن والمعارك في المنطقة.

ولأن قدّيد اهتم كثيرا بذكر الأسماء التي تستحضرها ذاكرته، فهو يشير إلى مسارات بعضها بعد تخرُّجهم، ومن بينهم محمد بوخرّوبة المعروف لاحقا بهواري بومدين الذي اختار التوجه إلى مصر، وقد أنهى هذا الفصل بظروف حصوله على شهادة الأهلية سنة: 1953.

وفي الفصل الثالث عشر، وضمن إعادة هيكلة وتنظيم عشية وقف إطلاق النار يذكر محمد قديد تعيينه مسؤولا عامًّا للناحية الثالثة من المنطقة الرابعة المعروفة بناحية إيدوغ، ويطلعنا على معلومات تتعلق بالحوادث العسكرية (عمليات، كمائن، مواجهات).

يمثّل الفصل الرابع عشر شهادة بالغة الأهمية عن مرحلة ما بعد إطلاق النار، ودخول قوات هيئة قيادة الأركان إلى مناطق الولاية الثانية، ويربط الأزمة الوطنية يومها بتداعياتها على الولاية والمنطقة. وكختام للمذكرات أدرج المجاهد محمد قديد قوائم هامة تخص هيكلة جيش التحرير الوطني بالولاية الثانية في الفترة الواقعة ما بين وقف إطلاق النار وتنظيم استفتاء تقرير المصير، وأيضا أسماء إطارات من الشهداء ومن المجاهدين من الولاية الثانية الذين تولوا مسؤوليات خارجها، وضمت ملاحق الكتاب بعض صور الجهاد والوثائق الخاصة بصاحب المذكرات.

إن مذكرات المجاهد محمد قديد رحمه الله رغم تأخر ظهورها؛ إلا أنها تُعدّ من أهم ما كتب إلى حد الآن من مذكرات قادة الثورة في المرحلة الأولى، وخاصة ما تعلق بالولاية الثانية، ومن المتوقع أن تساهم في إعادة رسم تاريخ الحركة الوطنية والثورة التحريرية بالشمال القسنطيني، عبر تصحيح بعد الأخطاء، والتفصيل في محطات بالغة الأهمية، ومن المتوقع حسب الباحثَيْن اللذين قدّما للكتاب أن تصدر لاحقا تتمة لهذا النص تتمثل في ردود له على مذكرات سابقة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!