الشروق العربي
أسطورة حمام المسخوطين

قصة يامنة التي تزوجت شقيقها فأصبحت حجارة

فاروق كداش
  • 10924
  • 4
ح.م

 لقد فاض التنور في حمام الدباغ، وانبثقت من الأرض الملتهبة مياه الجوف الثائرة.. وقفت العروس وجلة، والتفت العريس المشدوه من موكب العرس المتحجر.. وقبل أن يرتد إليه طرفه، تحول إلى صنم صامت… هي قصة عشق ممنوعة، وأحجية قد تكون موضوعة.. وبين هذا وذاك، أين الحقيقة وأين الأسطورة؟

على بعد كيلومترات من مدينة ڤالمة، تستقبلك قصور كلسية من نحت الطبيعة، شلالات متحجرة من العهد النيوندرتالي، في جوفها مياه ملتهبة، تبلغ درجتها تسعين درجة، تضخ بكميات هائلة.. أما عمق هذه الينابيع الحارة، فيصل إلى عشرة كيلومترات في الباطن. ويعد بعد براكين أيسلندة، ثاني أسخن منبع جوفي في العالم… وراجت شهرة حمام الدباغ، أو حمام الشلالة، منذ قديم الزمان، وكان يقصده المرضى من جميع أنحاء الجزائر، لعلاج أمراضهم المضنية، من مفاصل متعبة وشرايين واهنة وجلد متساقط.

المسخوطين.. وحكاية الحب المحرمة

تسمية هذا الحمام بالمسخوطين، لها أكثر من رواية، فمن المؤرخين والسكان المحليين من يعزو هذا الاسم إلى زمن الاستعمار الفرنسي، الذي كان يجمع بين كلمتين “مسك” و”طين”، اللذين كانا يستعملان للعلاج، فينطقها الفرنسيون “مسكوتين”، فتحولت إلى مسخوطين، ومنهم من يقول إن التسمية تنحدر من السخط أو الغضب، الذي نزل على قبيلة، كان يقودها أمير يدعى سيدي أرزاق، الذي سحر بجمال أخته يامنة، وخالف بهذا الحب الممنوع الأعراف والتقاليد… وقرر الزواج بأخته، رغم معارضة كل القبيلة، فانفضت من حوله وغادر معظم سكانها إلى وجهة أخرى… وبقي الأمير الفارس مع شرذمة من المتملقين، وبينما الجميع يحتفلون، وعلى حين غرة، تدفقت الحمم من باطن الأرض، وأخرجت كبريتها، وحولت يامنة وأرزاق إلى صنمين، وصارت المأدبة كتلا كلسية متحجرة، بينما جرفت المياه الغاضبة جميع المدعوين…

النسخة الأمازيغية من الأسطورة، لا تختلف كثيرا. فاسم الفارس الآثم تغير من “أرزاق” إلى “أرزيغ”، الذي عاد من رحلة صيد شيطانية، وألقى صيده من الغزلان أمام شيخ القبيلة، معلنا نية زواجه من شقيقته “‪وريدة”، التي تقول الروايات إنها كانت تبادله نفس الشعور… ورغم معارضة الجميع، قررا الزواج قرب الينابيع الحارة، وتحول وشقيقته إلى حجرين.

 أما الرواية العربية، فتتحدث عن فارس يدعى الشيخ ڤاسم، فارس من فرسان قبيلة بني خليفة، وكان اسم أخته فاطنة.

حمام شاهد على التاريخ

الباحث في التاريخ، يجد أن حمام المسخوطين عايش حقبا كثيرة، منها البونيقية. وكان تابعا لمدنية “مالاكا”، التي تحولت إلى كالاما ثم ڤالمة.. وأيضا الحقبة الرومانية. وقد كان الرومان يطلقون عليه اسم “أكوا تبليتان”، لقربه من مدينة تيبيلس، وبعد ظهور المسيحية، حل في المنطقة قديس اسمه مارينو، اشتهر، حسب بعض الكتابات الكنائسية، بمعالجة الأمراض، باستعمال مياه الحمام الشافية.

 تاريخ بناء الحمام بمعالمه الأثرية، خاصة المسابح التي يبلغ طول أكبرها 52 مترا، غير ثابت للمؤخرين، لكن، من المرجّح أنه بني ما بين القرنين الأول والثاني الميلاديين، من طرف الرومان…

 في الحقبة الاستعمارية، كتب “جون إيف تورينياك”، في مذكراته، أنه في عام 1878 تم اكتشاف غريب جدا في حمام المسخوطين، وهو بحيرة باطنية ظهرت بعد انفجار مهول، طولها خمسون مترا، وعرضها ثلاثون مترا. وأضاف أنه أثناء الحرب العالمية الثانية، قامت بعثة إنجليزية برحلة استكشاف لأغوار كهوف المسخوطين، لكنها اختفت بعد ذلك في ظروف غامضة، ونقل تورينياك ما تداوله السكان المحليون آنذاك من أن مردة البحيرات الجوفية هم من كانوا وراء هذه الحادثة الميتافيزيقية.

مقالات ذات صلة