الشروق العربي
ثانوية بن عكنون ‪وفيلا الورود وسوسيني

قصور حولتها فرنسا إلى مراكز تعذيب سرية

فاروق كداش
  • 2238
  • 3
ح.م

حيطان صماء، تبكي وجعا، وردهات تخنقها العبرات، ودرج ينزف دما… وأسقف تئن حزنا، فما رأته لن نطيق له صبرا.. قصص بيوت وقصور، كانت عامرة بالضحكات، فانقلبت حالها غما وهما… الشروق العربي، سمعت أنينها، وقصت حكاية ترويها الحجارة.

من أشهر القصور التي تحولت إلى مراكز تعذيب، فيلا سوسيني، التي بناها موثق اسمه ألكسندر سوسيني، على الطابع الموريسكي الحديث، وقد صنفت عام 1926 كمعلم تاريخي من طرف مدينة الجزائر… وبين أقواسها وزليجها كانت القسوة الفرنسية تتجلى في كل جبروتها وطغيانها. وقد كان من أشهر جلاديها بول أساريس، الذي اعترف في مذكراته بأنه مارس التعذيب في هذه الفيلا، والتقى فيها بضابط المخابرات، جون ماري لوبان، اليميني المتطرف، رئيس حزب الجبهة الوطنية بعد الاستقلال… ومن الشهادات الحية عن هذه الفيلا، ما أدلت به الثورية، لويزات إغيل أحريز، ونسيمة هبلال، بأنهما تعرضتا للتعذيب فيها، مع المئات من المجاهدين.

من مركز نور إلى جهنم

استغلال الاستعمار الفرنسي للمدارس والثانويات للتغذيب، إبان ثورة التحرير المجيدة، حقيقة لا يتنصل منها إلا مشكك جاحد، خاصة في العطل الصيفية. وكانت فرقة المظليين بقيادة الجنرال السفاح ماسو، والكولونيل الدموي بيجار، تحتل ثانوية بن عكنون (ثانوية المقراني حاليا)، على سبيل المثال، كمركز سري للاستجواب والتحقيق مع المجاهدين الأفذاذ. وكان هذا المكان من بين العديد من المراكز التي كانت مهمتها الفرز. وبموجب قانون أفريل 1957، أصبغت عليها فرنسا طابعا شرعيا.

 وقد روى أحد المجاهدين تجربته المريرة في هذه الثانوية، في صيف 1957، بعد أن ألقي عليه القبض في منزله، وتم استياقه إلى مدرسة في فور أمبرور سابقا، في الأبيار.. وهناك، تم تعذيبه في حوض الحمام. وبعد أن اقتيد إلى ثانوية بن عكنون، انضم إلى نحو مائتي سجين، وكان هناك قسم للنساء. وكان من بين النزيلات، فضيلة دزيرية، وأختها ڤوسم، ولطيفة، وهن عضوات في فرقة مريم فكاي الغنائية. في خريف ذات السنة، اجتاحت الأنفلونزا الإسبانية.. وكان النزلاء قاب قوسين من الموت، لولا تدخل صحي طارئ.

ورود بعبق العذاب

فيلا الورود، هي مكان آخر من بين الأماكن الموحشة المظلمة، التي عذب فيها الجزائريون. ففي نهج غاليني، رقم 74، كانت فرقة مظليين أخرى، بقيادة الكابتن مارتن والضابط لوبان، تبدع طرقا جديدة للاستنطاق. وقد روى أحد البرلمانيين الفرنسيين في مذكراته أن لوبان اللعين، بعد أن أخفق في إحدى جلسات الاستجواب، أضرم النار بكل برودة أعصاب في السجين المستجوب.

وأثارت هذه الفيلا الجدل بين المؤرخين، بين منكر لوجودها، وبين من يؤكد وجودها.

قائمة القصور والفيلات التي اتخذتها فرنسا مراكز للتعذيب طويلة، منها فيلا تيليملي السرية، وفيلا بئر طرارية، وفيلا الناظور، وقصر الإمبراطورية… حيطانها ستشهد للتاريخ أن الجزائر انتزعت حريتها بالقوة والصبر والجلد، والتخطيط المحكم.. وفوق كل هذا وذاك، بالعزيمة والإصرار… وإن نسيتم، سنذكركم، لعل مشاغل الحياة أخذتكم، لأن ما خلفته فرنسا جرح لن يلتئم إلى يوم الدين.

مقالات ذات صلة