الشروق العربي
من روائع المالوف القسنطيني

قصيدة البوغي.. قصة عشق ممنوع عمره 170 سنة

فاروق كداش
  • 2779
  • 0

قصيدة البوغي، من أشهر قصائد المالوف، الذي تغنى بعدد كبير من المواضيع، منها الحب والغرام العفيف الطاهر… هذه القصيدة، هي رواية عشق من مدينة الجسور، أشبه بعويشة والحراز وحيزية وبختة، وغيرها من القصص التي بدايتها هيام ونهايتها مأساة. خلدها عميد المالوف، محمد الطاهر الفرقاني، فبقيت القصة واختلطت بالحكايات الملفقة.. وبين هذه وتلك، تبحث الشروق العربي عن الحقيقة.

بطلا هذه القصة المنسوجة من وحي الواقع، هما جاب الله شاعر ومغن ينحدر من مدينة عنابة، ونجمة ابنة الحسب والنسب التي تربت في قسنطينة العز والدلال.

تبدأ القصة بعادة إنسانية لا تخص إلا أهل قسنطينة، وهي عادة نزول بنات العائلات الميسورة لطلب المال لتوزيعه على القفراء في نهاية اليوم، ونزلت نجمة مثل قريناتها إلى الزقاق، فالتقت جاب الله، فوقعت في قلبه، ولم تفارقه، وأعطاها كل ما يملك، رغم فقره، فهو رجل لا يحمل معه سوى مقطوعات الزجل وأسرار البحر العنابي.

وتتعقد القصة وتأخذ منحى دراميا.. فنجمة لسوء حظ جاب الله متزوجة من رجل من عائلة الباي، وحين يجري مكر الشيطان من الإنسان مجرى الدم في العروق، فإن الحرام يقبل مهللا… في سهرة مخمورة، يفشي جاب الله سره، فيطالبه أصدقاء السوء بدليل معرفته بنجمة، فيبعث إليها برسالة تنقلها إليها طباخة البيت اليهودية، وبدل صده وزجره ترسل إليه خصلة من شعرها تضفرها بحبات الجوهر وتربطها بحزامها وتسقطها له من شرفة بيتها الكائن في أعالي القصبة القسنطينية، ويتلقفها العاشق العربيد ويلقي دليل دنو مروءته أمام أصحابه، فينكر عليه أحد أصحابه عمله هذا وينصحه بأن يخرج من المدينة على وجه السرعة، كي لا يفتضح أمره ويسفك زوج شريكته في الجرم دمه. وتوارى جاب الله عن الأنظار في زاوية مشهورة باسم زاوية بولجبال، ليغادر قسنطينة إلى الأبد ويعود إلى عنابة بعد أن أتى أقبح الأفعال وأنكرها.

قضى جاب الله ثلاث سنوات في مسقط رأسه، وهو يحاول نسيان ما اقترفه قلبه ولسانه، غير أن كيد النساء لعظيم، لتأتيه دعوة من نجمة ليحيي حفل ختان ابنها، فيقبل الدعوة ممنيا نفسه بلقاء نجمته المفقودة. ويدخل جاب الله بيت

نجمة، وبدل التكتم على مشاعره الحرام جهر بإثمه المشهود وراح يصدح أمام الملإ بقصته مع نجمة فقال:

“نجمة يا نجمة ما بقى لك صواب في اللوم عليا راني غديت لقداك في الشنايع والباطل، اتبقاي بالخير يا المتهومة بيا، هذا آخر وداعنا والوعد أكمل، كرهوني يا الزهو خاطري ناسك بغضية، لا يلوم غرض خلف ولا مشغال”.

اشتاط زوج نجمة غضبا لما سمع، فـأخفى فردة من حذاء جاب الله حتى افترق الجمع، فاقتيد جاب الله إلى دهليز مظلم ليلقى فيه حتفه. أما نجمة، فرمت بنفسها من شرفة بيتها، بعد أن صارت حكايتها على كل لسان في المدينة.

هكذا، انتهت قصة جاب الله وخلد باسم الشاعر الذي أهلكته قصيدته التي تغير اسمها من الباغي إلى البوغي، وحفظها القسنطينيون بهذا الاسم.

مقالات ذات صلة