جواهر
زوجات يغادرن البيت لأتفه الأسباب ورجال يحتمون بالقانون

قضايا الرجوع إلى “بيت الطاعة” تغزو المحاكم!

زهيرة مجراب
  • 78259
  • 31
ح.م

“زوجتي غادرت المنزل، أخذت معها أبناءها وهي ترفض الرجوع”، ما ذكرناه سابقا ليس مشهدا مأخوذا من أحد الأفلام أو المسلسلات العربية، بل سيناريو يتكرر يوميا في مكاتب المحامين، من أفواه أزواج محتارين عن السبيل لاستعادة عائلتهم الصغيرة التي مزقتها الخلافات التافهة، ولم يعد بوسعهم إعادة الهدوء إلا عن طريق القضاء، برفع ما يسمى دعوى الرجوع أو مثلما يقال عند المشارقة بيت الطاعة.

كان ترك الزوجة منزل الزوجية وذهابها لبيت أهلها ومعها أبناؤها، وأحيانا جميع أغراضها في السابق، مسألة عويصة تشغل الزوج وذويه فيبحثون عن سبيل لإقناعها بالرجوع، وتبدأ العائلة في إيفاد المصلحين من أقارب الزوج لعائلة الزوجة كي يعرفوا أسباب الخلاف، ويحاولوا إيجاد حلول لها كي لا تتفاقم الأمور وتصل للطلاق.

أما اليوم، فقد اختلف الأمر تماما فبعد فترة قصيرة من مغادرة أحد الزوجين المنزل، يتجه الطرف الآخر لأقرب مكتب محامي لرفع دعوى رجوع لتصبح هذه القضايا الأكثر شيوعا في المحاكم والمجالس القضائية، وقد بات يستعين بها العديد من الأزواج كمرحلة أولية من قضايا الطلاق، خصوصا بعدما تراجع دور الأهل والمصلحين في العائلات.

المحامي بهلولي: بعض النساء يرفعن دعاوى الرجوع لبيت مستقل

يقول المختص في القانون الأستاذ بهلولي إبراهيم، إنه بإمكان الرجل والمرأة رفع دعوى الرجوع، فهو حق لكليهما حتى ولو كانت الزوجة هي من غادرت منزل الزوجية بمفردها وبرغبتها الشخصية، فتستطيع طلب الرجوع عن طريق المحكمة لبيت مستقل في حال إقامتها في منزل عائلي أي برفقة أهله.

وأضاف المحامي بأن الكثير من الأزواج يطالبون زوجاتهم بالرجوع قبل التوجه للطلاق، فالمحاكم تستقبل عشرات القضايا يوميا طلبات الرجوع أصلية ترفع في دعوى أصلية، وهناك طلبات رجوع في مقابل الطلاق ترفعها بعض الزوجات عند تسجيل دعوى الطلاق لتثبت وجود حالة تعسف وأن الطلاق تعسفي.

سيدة تغادر المنزل بسبب الفارق العلمي

ومن بين القضايا، قصة سيدة متزوجة وأم لثلاثة أبناء، كانت تقيم في منزل زوجها ويعيشون حياة عادية غير أنهم في كل مرة يختلفون على أمور تافهة، وفي إحدى المرات ونظرا لوجود فارق في المستوى العلمي بينهما فقد عيرها زوجها بهذا الفارق، ولم تتوقف عند هذا الحد بل قامت الزوجة الغاضبة بأخذ أبنائها وترك المنزل، ولم يستطع زوجها إقناعها بالعودة لبيتهم واستكمال حياتهم فاضطر لرفع دعوى رجوع، ولأن مصلحة الأطفال هي الأهم استطاعا الوصول إلى حل وإنهاء الخلاف.

شابة ترفض الرجوع إلا في حال توفير سكن مستقل لها

قضية أخرى أكثر إثارة، هي لشابة تزوجت وأثناء خلاف زوجي غادرت المنزل ثم أقامت دعوى رجوع على زوجها، واشترطت عليه أن يعيدها لمنزل مستقل لكونهما كان مع أفراد عائلته الكثيرة العدد، وكان الأمر يسبب لها إزعاجا ويحد من حرياتها ويحول دون استمتاعها بحياتها الزوجية، لكن القاضي حكم لها بالرجوع دون أن يذكر في الحكم المنزل المستقل، وهو ما جعل الزوجة تتعنت وترفض تنفيذ الحكم.

سيطرة حماتها جعلت عودتها للمنزل العائلي مستحيلة

سيدة أخرى أقامت دعوى رجوع لمنزل مستقل، بعد خروجها من منزل الزوجية هروبا من حماتها المتسلطة التي تسيطر على ابنها وتتدخل في كل شاردة وواردة من أمور البيت. والأمر ذاته وقع مع عروس شابة، تفاجأت بعد الأشهر الأولى من الزواج بضعف شخصية العريس، فشقيقاته هن من يتحكمن به وهو ما دفعها للعودة لبيت أهلها ورفع دعوى الرجوع لبيت بمفردها.

زوجات يتركن المنزل بسبب “الفايسبوك” و”الأعراس”

ويبدو أن جل الزوجات يتركن المنزل لأسباب بسيطة وخلافات واهية، فإحداهن خرجت من بيتها وحملت جميع أغراضها بعدما منعها زوجها من الحديث مع صديقاتها على “الفايسبوك”، وهو ما يضيع وقتها ويحول دون إتمامها أشغالها المنزلية ورفضت العودة، فلما أقام دعوى رجوع عليها إلا في حال تخلى عن فكرة إلغائها حساب “الفايسبوك”. وسيدة أخرى ذهبت من منزلها فقط لأن زوجها منعها من حضور الأعراس والمناسبات الاجتماعية الكثيرة التي أرهقت كاهله بمصاريف زائدة، وهو ما لم تهضمه الزوجة وقررت عدم الرجوع حتى تدخل كبار العائلة.

محامي: هذه القضايا دليل على عدم استقرار الأسرة

يفسر الأستاذ بهلولي كثرة قضايا الرجوع بكثرة قضايا الطلاق، وهو دليل قاطع على عدم استقرار العائلة الجزائرية الحديثة، سواء من ناحية غياب الاختيار المناسب من كلا الطرفين، أو البعد الحقيقي عن مغزى الزواج وأركانه الشرعية وهو ما جعلنا نخرج عن عاداتنا وتقاليدنا.

وذكر المختص في القانون أن قضايا الرجوع في السابق كانت نادرة جدا، فالعائلة الممدودة كانت تتدخل وهناك مجلس العائلة فيسارعون للإصلاح، أما حاليا فأصبح الأمر وكأنه تحد بين الرجل والمرأة، فكلاهما يستظهر ترسانة القوانين الكفيلة بضمان حقه. وأوضح المتحدث أن غالبية الأحكام لا تنفذ فمعظم النساء يرفضن الاستجابة لطلب الزوج وتزيدهن هذه القضايا عنادا وإصرارا.

رئيسة جمعية “حورية”: الإرشاد الأسري لإنقاذ العائلات من هذه القضايا

أكدت رئيسة جمعية “حورية”، عتيقة حريشان، حرصهم وتشجيعهم لتفعيل الوساطة القضائية خارج أروقة العدالة، فأغلب الوساطات الأسرية التي تمت خلال وجود نزاعات في العائلة، نجحت في إصلاح الأمر قبيل رفع دعاوى الرجوع أمام المحاكم.

وذكرت المتحدثة التي تتولى جمعيتها مهمة الإرشاد الأسري، سبل تعاملهن مع هذه الحالات، فعند تلقيهن اتصالات من سيدات في حالة غير مستقرة يقمن بمرافقتهن ولعب دور الوسيط حتى يتم فض النزاع، فالوساطة قبل القضاء خصوصا وأن جل المشاكل بسيطة ولا تستدعي سوى حضور عقلاء، مرشد أسري، أخصائي نفساني، وتحدد النقاط المسببة للخلاف بعدها يوجدون حلولا لها وينتهي الأمر.

واعتبرت رئيسة الجمعية أن الوساطة لها دور هام في حل مختلف النزاعات وبالتحديد في مثل هذه القضايا، لكن شريطة أن تكون بعيدا عن المحاكم فمثلا لو رفع أحد الزوجين دعوى رجوع، وحكم القاضي لصالحه وتم تنفيذ الحكم فكيف ستكون العلاقة بينهما فيما بعد؟، وكيف سيتعاملان مع بعضهما خلال عيشهما تحت سقف واحد؟، فالأكيد ستكون هناك كثير من الحساسية وتصبح العلاقة التي عادت بقوة القانون وترجع المرأة خوفا من أن تكون ناشزا قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت.

وترى محدثتنا أن أجدادنا قد أدركوا أهمية هذه الوساطة في العلاقة الزوجية، لذا كانوا في القديم يحرصون على حل جميع نزاعاتهم عن طريق مجالس الصلح والعائلة، لإنقاذ الزواج من أي حساسيات تنجر عن لجوء أحد الطرفين للعدالة.

مقالات ذات صلة