الجزائر
الشروق تقتحم عالم الخوارق المثير في قلب الصحراء

قطع اللّسان وبقر البطن وتحويل التراب إلى بخور!

الشروق أونلاين
  • 44584
  • 193
مكتب بسكرة
ظاهرة غريبة

شيء بين الحقيقة والخيال، تراه العين فتصدقه ، لكن العقل يأبى تصديق ما تراه العين. صدق أو لا تصدق. هي طقوس لا يمكن للمرء أن يتحمل رؤيتها، فما بالك ممارستها، اللهم إلا إذا كان من طينة أعضاء فرقة سيدي عمار بتڤرت. يرحلون في لحظات اللاوعي إلى العالم الآخر، ليتلذذوا بتعذيب أنفسهم بوسائل موجعة بعضها قاتل. سمعنا عنها الكثير ولأن الأذن لا يمكنها أن توصل الحقيقة قررنا أن نمنح الفرصة الكاملة للعين لعل وعسى، الفرقة استقبلت الشروق اليومي في مقرها أو خلوتها وخصتها بعرض، بدايته إيقاعات وعزف على القصبة وفي صلبه طقوس غريبة وراءها سر المهنة، كما قال شيخ المجموعة.

تعرف رقصات هؤلاء بالتهويل أو الجدية إلى درجة اللاوعي أو بلوغ قمة التركيز كما قال أحدهم، وهو تهوال لا يختلف عما يحدث في طبع أغنية العيساوة بشرق البلاد، بحيث يصبح قادرا على إيذاء نفسه بمختلف الأسلحة البيضاء، وكل ما يمكن أن يلحق به ضررا لكن دون حدوثه، بينما يتألم   من يتابع المشهد عن قرب. هكذا كان الحال في تلك الليلة التي حدث فيها كل شيء، لكن سرعان ما زال واتضح أن وراء الحكاية إن، ووراء إن رأيكم في الحكاية.

 

من هنا كانت البداية

أخطأنا لما اعتقدنا أن طلبنا سيرفض، حيث استقبلنا في تلك الأمسية أحد أعضاء الفرقة، واتفقنا على موعد بعد المغرب، وهكذا كان الحال، حيث وجدنا في الاستقبال حوالي 10 أفراد من أصل 16، المكان قاعة صغيرة بها موقد تقليدي جدرانها خضراء بها بعض الصور فيها يختلي المنتسبون إلى جمعية سيدي عمار بوسنة لأداء الأذكار والأدعية على الطريقة القادرية، وما إن حضر شيخ الفرقة أو من يحمل رتبة الخليفة التي تأتي بعد رتبة الشيخ، انطلق العرض آخذا منحى تصاعديا في الإيقاع إلى حد التهويل. بدأت الفرقة عرضها بعزف على آلة القصبة وإيقاعات البندير للحظات ثم وقف الشيخ ومعه آخران يرددون صيحات عالية مع القبض على صدورهم بأكفهم بشكل مسترسل قبل أن يأتي دور كبير الفرقة أحمد بلهاني 82 سنة ليردد”نوبة نوبة هذي نوبة لأهل النوبة” في الأثناء يقوم آخرون بارتداء رداءات مختلفة الألوان يغلب عليها اللونان الأحمر والأخضر استعدادا للدخول في صلب العرض، البداية بلونين من رايتنا زاد من شغفنا وفتح باب الفضول على مصراعيه أمامنا.

 

أكل الزجاج ومضغ الجمر من بين طقوسهم

أحضر رئيس الفرقة أو الخليفة صندوقا حديديا وفتحه، ثم قام بإخراج وسائل عمل الفرقة، وهي مشط ومنجل وسيف وخنجر وأداة طرق خشبية وقضبان حديدية مدببة وصحن وقماش أخضر وعلى حين غرة راح أحد الأفراد يرفع صيحات أقرب إلى موال على خلفية إيقاعات خفيفة  سرعان ما زادت وتيرتها تسارعا، بينما مرر آخر المشط على الحضور ليتأكدوا من أسنانه الحديدية، وفي الجهة الأخرى آخر يشعل البخور ويجوب بها أرجاء المكان حتى صارت الرؤية شبه معدومة في تلك الأثناء كان أحدهم منهمكا في إدخال قضيب حديدي في لسانه بشكل عمودي، قبل أن يفعل الشيء ذاته في أذنه أما الخليفة فأحضر”رزامة” أو مهراسا خشبيا وراح يطرق على ظهر المغزل لإدخال أسنانه في بطن عنصر آخر في الفرقة، قبل أن يحين دور شاب آخر ينتظر بلوغ درجة إحماء منجل حد الاحمرار، ليطفئ جذوته بلسانه أو كما فعلها آخر مع صفيحة حديدية شديدة الاحمرار.

ليس هذا فقط ما يفعله أعضاء سيدي عمار بتڤرت، فإلى جانب ما استعرضوه أمامنا يمكن لأحدهم أن يسحق الزجاج بأسنانه ويبلعه ، كما يمكنه أن يمضغ الجمر الحارق أو يدخل فتائل مشتعلة في فمه، أو يمرر لهيبا من النار على جسده، ويمكن لآخر أن يجمع كومة من التراب، ويلقي بها لتتحوّل إلى بخور تعطر المكان، ويمكن لثالث إن يقطع لسانه بخنجر إلى قطع صغير ويضعها في صحن يراها المشاهد حقيقية، وما إن تمر ثواني قليلة حتى يستعيد لسانه كاملا، هذا ما شاهدناه ننقله لكم بأمانة أو كما قال المفكر الجزائري مالك بن نبي في كتابه مذكرات شاهد على القرن عندما روى كيف أن الهرة التي رباها في بيته الباريسي، وأطلق عليها اسم لويزة كانت تسير على الأواني والفراش ولا تدوس أبدا المصحف الشريف الذي كان يتلوه رحمه الله في حضرة زوجته الفرنسية خديجة، ثم استدرك في كتابه قائلا .. أنا لا أقول لكم قاعدة لا تحيد، وإنما أروي لكم ما شاهدت، وأنتم فكروا وقرروا ما شئتم.

 

بين الحقيقة والشعوذة شيء اسمه سر المهنة

يؤكد الخليفة أحمد الشاوي أو شيخ الفرقة أن ممارسة هذه الطقوس غير ممكنة إلا بشروط، أولها أن يكون الشخص مواضبا على حضور الحلقات مرتين في الأسبوع وأن يواظب على الأذكار مع توخي الطهارة قبل الشروع في العرض، ويؤكد أيضا أن ما تقوم به فرقته لا علاقة له بالشعوذة، حيث قال ردا على سؤالنا هي كرامات من الأولياء الصالحين، أما إفشاء البخور فلتعطير المكان ليس إلا، وأما عن الحكمة من وضع الرداء عند نزع الأداة من الجسم، فذلك هو سر المهنة بحسب قوله، فيما يؤكد أيضا أن نجاح الغرض يقتضي أن يكون المكان هادئا وخاليا من رائحة التبغ أو الأحذية، وأن لا يدخل أي غريب وسط الفرقة أثناء العرض، أما إذا رغب أي كان في الانضمام إلى الفرقة أثناء العرض، فعليه أن يقبل كتف الخليفة إذا كان معتادا على ذلك أو يتوسط إلى الخليفة بعنصر من الفرقة يسمى الشاوش أثناء العرض، بحيث يسلم له رداء إيذانا بالترخيص له أو منعه عند الشك في نيته، كلام شيخ الفرقة أرجعنا إلى عالم الواقع، لأن سر المهنة هو ما يحدث عبر القرون، فقد تحدث القرآن الكريم عن سحر قوم موسى ووصفه في آية شريفة بالسحر العظيم، ولكنه أشار في آية أخرى أنه ضرب من الخيال عندما يقول وخيّل لهم .. فالحكاية هي دائما سر المهنة والقاعدة القرآنية تقول .. ولا يفلح الساحر، حيث أتى رغم أن الجماعة التي نزلنا عندها لا تمارس السحر المحرّم لدى كل الفقهاء، حيث يعتبر شرك بالله والله تعالى يقول “.. إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما”، وفي آية أخرى يقول .. إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا.

 

كذب المنجمون ولو صدقوا

الثابت أن ما يقوم به الطرقيون من طقوس غريبة غير حقيقية ولا علاقة لها بأرض الواقع، إذ كيف يمكن لامرئ أن يغرز إبرة سميكة في لسانه دون إسالة الدم، وكيف يمكن لشخص أن يقف على رأس سيف مدبب ولا يشعر بآلام. الأكيد في الأمر قوة خفية لا علاقة لها بالحيل والألعاب السحرية دون استحضار الجن، هذه هي قناعة من سألناهم من سكان تڤرت، أحدهم قال حضرت ذات مرة عرضا شعرت فيه الفرقة بالارتباك، وتوسلت إلى أحد الساهرين بالكف عن عرقلة العرض، أما السيدة فتيحة التي لا تقوى على مشاهدة تلك الصور كغيرها من ذوي الإحساس الرهيف، فأكدت أن الكثير من النساء يحضرن مثل هذا العرض في حفلات خصيصا للنساء، حيث يجدن الفرصة للرقص بهستيريا عالية قصد إخراج المكبوتات كعلاج دفاعي ينصح به النفسانيون

مقالات ذات صلة