الجزائر
ثلاثة آلاف شاب حاولوا "الحرقة" وعشرات المفقودين بعرض البحر خلال 2018

قوارب الموت .. إلى أين؟

راضية مرباح
  • 3589
  • 13
ح.م

أعادت حادثة مأساة 13 “حراقا” من أبناء منطقة “لابوانت” بالجزائر العاصمة، ظاهرة “الحرقة” إلى الواجهة من جديد بعدما قضى غالبيتهم غرقا في ضفاف شواطئ سردينيا، في صور يندى لها الجبين مقابل غياب أي تحرك من الجمعيات الناشطة أو أحزاب البرلمان بغرض تخصيص يوم لهذه الفئة التي تستنزف سنويا من نسبة الشباب الجزائري سواء منها المثقفة أم غير ذلك، نظرا إلى غياب برامج مستقبلية ونظرة استشرافية تعيد الأمل إلى من اختاروا المجازفة مرغمين في عرض البحار عوض انتظار مستقبل غامض وصفوه بـ “الموت بالتقطير”.

فامتطاء القوارب والبحث عن مستقبل واضح المعالم وراء البحار، أصبح طموح أكبر شريحة من الشباب بل وتعدى الظاهرة لتأخذ منحنى آخر عندما امتدت حتى إلى أفراد العائلة الواحدة بأكملها بعدما كانت الهجرة في الماضي مقتصرة على الأدمغة الذين لم تجد أغلبيتهم ضالتهم أو الأرضية الصالحة لتطبيق أبحاثهم وبرامجهم على أرض الواقع، وإن كانت أغلب الشكاوي التي دفعت بهؤلاء الشباب إلى اختيار قوارب الموت للوصول إلى الضفة الأخرى بحثا عن عيش رغيد والركض وراء حياة الرفاهية التي تبرزها مختلف وسائل الإعلام بصورة حقيقية أو مزيفة خاصة في الجانب المتعلق بالسكن، الملبس، المحيط، وسائل التسلية والرياضية فضلا عن المساعدات الاجتماعية والاقتصادية والقرارات التنظيمية التي ترفع من قيمة العدالة الاجتماعية المفقودة بالوطن الأم الذي لم يعد يلبي– حسب شكاويهم تطلعاتهم مقابل ما توفره البلدان الأوروبية من إغراءات ستمتص بها فئة كبيرة من الشباب الجزائري مستقبلا بعدما أصبح حلمه وتطلعه منحصرا في “الحرقة” لا غير.

الرابطة الجزائرية، من جهتها، دقت ناقوس الخطر حول تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي انتشرت كالنار في الهشيم وتشير آخر إحصائيات الرابطة إلى أن 2402 جزائري حاولوا “الحرقة” من الفترة الممتدة من 5 ديسمبر 2017 إلى غاية 25 نوفمبر 2018، الأمر الذي رفع من عدد الزوارق والطائرات المروحية لمراقبة قوارب الموت في عرض البحار عبر شريط يفوق 1200 كلم، وهو ما يعتبر أرقا آخر للحكومة التي يفرض عليها الواقع التحرك في مختلف الاتجاهات بعدما كان عليها من الواجب معالجة أسباب الظاهرة من جذورها بدءا من فشل السياسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي اعتمدت في الجزائر فضلا عن انتشار الفساد مع احتكار الثروة في يد فئة لا تتجاوز 10% من الأشخاص، جعلت نسبة البطالة تتجاوز 35% بين أوساط الشباب بالإضافة إلى تداعيات تراجع أسعار النفط على الاقتصاد الوطني والسقوط (التاريخي) للدينار الجزائري أمام عملتي الأورو والدولار، والتسويق الإعلامي للغرب.. كلها أسباب وأخرى تدفع بالشباب إلى الهجرة .

وبعيدا عن الأرقام، يرى الخبير الاقتصادي إسماعيل لالماس في تصريح إلى “الشروق”، أن الحديث في الجزائر لا يكون إلا عن الأرقام والتضخم ومتابعة أسعار البترول فقط ولا نسمع قط كلاما عن المستقبل، هذا الأخير الذي ظل غامضا كان بمثابة الجواب من طرف فئة الشباب للجوء إلى “الحرقة” أو بالأحرى الهروب من هذه الأوضاع المظلمة لتنتقل الظاهرة من الشباب إلى العائلات. وحمل لالماس في السياق تنامي الظاهرة إلى غياب مشروع اقتصادي واجتماعي محكم فضلا عن المشاريع المستقبلية التي يمكن أن تعطي نظرة واضحة لمستقبل البلد حتى لا يكون جواب المثقف وغير المثقف الهروب بطريقة شرعية أو “الحرقة”، وتطرق المتحدث إلى برامج مختلف الدول التي تتكلم عن مستقبلها في غضون 5 و10 أو 20 سنة وأكثر حتى تعطي أملا لمواطنيها في غد أفضل عكسنا تماما حيث نفتقد نظرة مستقبلية استشرافية– يقول-ما يدفع بالشباب إلى البحث عنها في مكان آخر.

مقالات ذات صلة