كأس العالم 2022.. إنجاز عربي إسلامي جديد بنكهة قطرية

كل أنظار العالم مشدودة هذه الأيام إلى دوحة الخليج قطر التي تحتضن منافسات كأس العالم لكرة القدم طبعة 2022، وقد نجحت قطر في تهيئة كل الظروف لإقامة هذا الحدث العالمي ولا يقف النجاح عند المرافق المقامة والملاعب المشيدة والمشاريع المنجَزة بل يتعداه إلى النجاح الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي. صحيحٌ أن قطر دولة صغيرة ولكنها دولة بحجم أمة؛ فمكانة الدول لا تقاس بالمساحة الترابية بل بالمشاريع التنموية وقطر رائدة في هذا المجال من دون منازع.

قرأت لأحدهم منشورا على الفايسبوك يشيد فيه بالدور الريادي الذي تؤديه قطر على كل المستويات في هذا العصر، وما ورد في هذا المنشور يشاطره جمهور عريض من الناس ممن لا يبخسون الناس أشياءهم، ولكن لفتت انتباهي في المنشور عبارة وددتُ لو حذفها صاحبها أو استشار فيها أهل الاختصاص قبل أن يدوِّنها لأنها تهوِّن من تاريخ قطر الذي يمتد في آباد الزمن كما يقول المؤرخون وعلماء الآثار. قال المرابط الشريف في منشوره: “قطر لا تاريخَ مدوّنًا لها من آلاف السنين لكنها بكل جدارة تصنع تاريخها الآن، فمهما كان اختلافك أو اتفاقك معها كدولة فهي الآن تصنع شيئا عظيما يشرفنا كلنا كعرب كأمة واحدة وكمسلمين يعرِّفون العالم دينهم الصحيح بلا تعقيد ولا تشويه”.

هناك حقائق مهمّة لعل كاتب المقال جهلها أو علمها وغفل عنها أو تلقاها على علاتها فنقلها كما هي، ومن هذه الحقائق أنه لا ينبغي التمييز بين تاريخ الدولة وتاريخ الأمة؛ فالأول امتداد للثاني، وهذه قاعدة عامة سواء تعلق الأمر بقطر أو بغيرها في كل قطر، وتاريخ قطر الدولة يعود إلى أوائل القرن الثامن عشر الميلادي بوصول أسرة آل ثاني الحاكمة في البلاد والتي ترجع أصولها إلى قبيلة المعاضيد وهي فرع من تميم في أشقير في منطقة الوشم بنجد، ولكن تاريخ قطر الأمة قديمٌ موغل في القدم؛ فقد عثر علماء الآثار على منحوتات ولفائفَ تروي قصة شبه جزيرة قطر وتتحدث عن مكانتها الحضارية في العصور القديمة وعن اتصالها بحضارة العبيديين التي ازدهرت في بلاد الرافدين خلال الألف الخامس والرابع قبل الميلاد، وعن البروز الحضاري لقطر في العصور الإغريقية والرومانية وفي عصر الإمبراطورية الفارسية. وفي العصر الإسلام، برزت قطر ضمن ما كان يسمى “مملكة البحرين” الممتدة آنذاك من الكويت شمالا حتى قطر جنوبا بما في ذلك الأحساء وجزر البحرين، وكان سكان قطر من العرب الأوائل الذين دخلوا في الإسلام استجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في الرسالة التي حملها العلاء الحضرمي إلى حاكم البحرين في ذلك الوقت “المنذر بن ساوى التميمي”.

إن الغاية من هذا السرد التاريخي هو تعليم الجاهلين وتنبيه الغافلين بأن التاريخ سلسلة ممتدة لا تقبل التجزئة، وتاريخ قطر الدولة على صغر حجمها تاريخ حافل لا ينكره إلا مكابِر، فقطر رائدة في الماضي والحاضر وعلى كل الأصعدة وجاءت منافسات كأس العالم 2022 لتؤكد استمرار هذه الريادة القطرية وهذا ما يُستوحى من عنوان هذا المقال: “كأس العالم 2022.. فتحٌ عربي إسلامي جديد بنكهة قطرية”.

هناك سؤالٌ ملح يسأله كثير من الناس: ما هو سر هذه النجاحات القطرية على كل الأصعدة، من الثقافة إلى السياحة ومن التربية إلى التنمية وصولا إلى هذا النجاح الكروي الباهر المتمثل في تنظيم كأس العالم 2022؟. إن سر نجاح قطر على كل هذه الأصعدة يكمن في خمسة عوامل، أولُ هذه العوامل -وهو أهمّها- هو أن نظام الحكم في قطر نظام شوري بمعنى الكلمة، فهو ليس نظاما ملكيا يهيمن فيه دور الملك وليس نظاما رئاسيا يهيمن فيه دور الرئيس، إنه نظام حكم تدار فيها الدولة بالتقاء إرادة الحاكم مع إرادة المحكوم فأمير البلاد في قطر جزء من هذا النظام وممثل له وليس مهيمنا عليه، ويمكن لمن يشك في هذه الحقيقة أن يراجع الدستور القطري.

وثاني هذه العوامل هو ثبات نظام الحكم في قطر على عقيدة سياسية موحدة منذ بداية تأسيس الدولة والحرص على التكامل والتواصل إلا ما كان من قبيل تغير الآليات الذي يقتضيه تغير الأحوال والمستجدات مما لا يمس بجوهر العقيدة السياسية.

وثالث هذه العوامل هو أن قطر تؤمن بعالمية التكنولوجيا وأن التعاملات بين الدول في المجال التكنولوجي لا ينبغي تسييسُها مهما بلغ حجم الخلافات السياسية فيما بينها وبسبب هذا التوجه الراشد والموقف العقلاني المتوازن، حافظت قطر على مصالحها الإستراتيجية وعلى علاقاتها مع كل الدول لأنها تقف منها على مسافة واحدة وعلاقتها مع إيران في عز الرفض الأمريكي وبعض الرفض العربي دليل على صحة ما أقول.

ورابع هذه العوامل هو أن قطر انتهجت سياسة رشيدة في استقطاب الكفاءات في المجالات العلمية والتربوية والتنموية والرياضية بغضِّ النظر عن جنسيتهم لأنها تؤمن بأن العلم لا وطن له وبذلك استطاعت أن تنشئ مجتمعا متناغما برغم اختلاف الجنسيات يميزه التنوع الثقافي الذي كان من أكبر عوامل النجاح الباهر الذي حققته قطر والذي نلمس بعض تجلياته في الحدث الكروي العالمي الذي تحتضنه قطر التي ستتعب من دون شك من يأتي بعدها.

وخامس هذه العوامل هو أن قطر تنفذ سياسة الكل تنمية فالمشاريع التنموية الكبرى بما فيها المشاريع الرياضية تنتشر على مد البصر في قطر وتكاد تغطي كل مساحتها الجغرافية، ومن الخطأ في هذا المجال ما تروجه بعض وسائل الإعلام العالمية من أن الفضاءات والمرافق الرياضية في قطر هي وليدة لحظة الإعلان عن فوز قطر بتنظيم كأس العالم  2022 فهذه مغالطة كبيرة، فكثير من هذه الفضاءات والمرافق الرياضية كانت موجودة وإنما ازدادت أعدادها ووتيرة إنجازها بعد الإعلان عن ذلك وهذه ضرورة تقتضيها طبيعة الحدث وتلجأ إليها كل الدول وليست قطر استثناء في هذه الحالة.

إن كأس العالم 2022 هو فتحٌ إسلامي جديد، ومن شواهد هذا الفتح حرص قطر على تعريف ضيوفها بتراثها العربي الإسلامي الذي تعرض لكثير من التشويه المنظم من قبل دوائر غربية معادية للعرب وللحضارة الإسلامية، ولتحقيق هذا المقصد الأسمى أقامت قطر بمناسبة كأس العالم 2022 قرى تراثية كما أضفت مسحة رائعة على المعالم الأثرية القائمة وهي رسالة قطرية إلى ضيوف المونديال بأن الحضارة العربية الإسلامية جزء لا يتجزأ من الحضارة الإنسانية.

إن كأس العالم 2022 هو فتحٌ إسلامي جديد، ومن شواهد هذا الفتح حرص قطر على تعريف ضيوفها بتراثها العربي الإسلامي الذي تعرض لكثير من التشويه المنظم من قبل دوائر غربية معادية للعرب وللحضارة الإسلامية، ولتحقيق هذا المقصد الأسمى أقامت قطر بمناسبة كأس العالم 2022 قرى تراثية كما أضفت مسحة رائعة على المعالم الأثرية القائمة وهي رسالة قطرية إلى ضيوف المونديال بأن الحضارة العربية الإسلامية جزء لا يتجزأ من الحضارة الإنسانية، وبأنها-أي الحضارة العربية الإسلامية- أم الحضارات وليست حضارة نكرة كما يروج لذلك الإعلام المأجور.

ومن شواهد هذا الفتح الشارات والإعلانات التي تزين المرافق الرياضية والسياحية والتي تحمل عبارات تدعو إلى جعل المنافسات الرياضية وسيلة من وسائل تعزيز الإخاء الإنساني وتشجيع الحوار بين الثقافات والحضارات ووضع حد للحروب والصراعات التي أنهكت البشرية وأبعدتها عن وظيفتها في بناء مجتمع إنساني متضامن ومتعاون.

ومن شواهد هذا الفتح منع كل التصرفات التي تنافي الذوق العام ليس إكراها للآخرين على نمط أخلاقي معين بل حرصا على وضع حدود للحريات المطلقة لأن الحرية المطلقة مفسدة مطلقة. ومن شواهد هذا الفتح تأسيس رابطة الجمهور العربي وهي مبادرة غير مسبوقة في تاريخ كأس العالم وتهدف هذه الرابطة –كما جاء في موقع الجزيرة نت- إلى “بناء قوة تشجيعية عربية تدعم وتؤازر المنتخبات العربية المشاركة في المونديال بروح واحدة وهتافات موحدة، لتعزيز الهوية العربية والاستمتاع بالمونديال من المدرجات”.

ومن شواهد هذا الفتح أيضا أنه وسيلة من وسائل كسر شوكة التطبيع الذي من أهدافه الإمعان في تمزيق الصف العربي وتفتيت الوحدة العربية والإسلامية، وهي الحقيقة التي اعترفت بها وسائل الإعلام الصهيونية التي كتبت عن توجس إسرائيل من عودة اللحمة العربية في مونديال قطر بما يقضي عن أحلامها وعن مشروعها في جر مزيد من الدول العربية إلى حلفها كما صرح بذلك بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الصهيوني المغادر والعائد بعد فوز حزبه في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة.

ومن شواهد هذا الفتح إقامة تصميم بحاكي الثقافة القطرية العربية الإسلامية حيث سيتعرف زوار قطر على التراث القطري وعلى عبق التاريخ العربي والأصالة العربية الإسلامية، وهذا فتح عربي إسلامي نتمنى أن يكون فاتحة لفتوحات عربية إسلامية طال انتظارها أو على الأقل بداية لعودة عربية إسلامية إلى الواجهة ولو بأضعف الإيمان. ومن شواهد هذا الفتح أن الملصق الرسمي لكأس العالم 2022 في قطر الذي يعكس الثقافة القطرية وتراثها العربي الإسلامي.