-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“كريسماس” في بلاد المسلمين!

سلطان بركاني
  • 1493
  • 0
“كريسماس” في بلاد المسلمين!

في الأيام الأخيرة من كلّ عام ميلاديّ، يكاد يكون الحديث على منابر العالم الإسلاميّ حديثا واحدا، عن حرمة الاحتفال بأعياد النّصارى التي لها علاقة بدينهم المحرّف وعقيدتهم المنكرة التي تجعل الله الواحد الأحد ثالث ثلاثة، تعالى الله عمّا يقولون علوا كبيرا.. وحتّى في مواقع التّواصل يجري تداول المنشورات التي تنبّه إلى حرمة الاحتفال بأعياد النّصارى، على نطاق واسع.. لكنّ الملحوظ على أرض الواقع أنّ هناك فئة غير قليلة من المسلمين تصرّ على إحياء الاحتفال بالكريسماس ورأس السّنة الميلادية؛ وبينها من يرى هذه الاحتفالات دليلا على الانفتاح والتحضر، ويرى في تحريمها تشدّدا وانغلاقا!

هناك أسر منسلخة لا تعبأ بعقيدة أو شريعة، ولا حرام أو حلال، دأبت على إحياء هذه الاحتفالات في الفنادق الخاصّة التي توفّر أجواءَ شبيهة بتلك الموجودة في فنادق الدول الغربية، حيث الخمر والرقص، وشجرة الميلاد والبابا نويل.. ودونها أسر لم تصل إلى هذا الحدّ من الانسلاخ، لكنّها لا تجد غضاضة في إعطاء طابع خاصّ لهذه المناسبة، باقتناء المرطّبات والحلويات الخاصّة، وحتّى لابيش لا تغيب عن كثير من الموائد! هذه المقتنيات التي أصبحت أغلب محلات المرطّبات والحلويات لا تجد حرجا في إعدادها وعرضها بأشكال وألوان مختلفة تغري من خفّ دينهم وفتنتهم دعاوى الانفتاح والتحضّر.

قبل عقود من الزّمان، ما كان لهذه المظاهر وجود في شوارع وبيوت المسلمين، لكنّها بدأت في الانتشار في السّنوات الأخيرة، حتّى أصبحت من المظاهر المألوفة، خاصّة في المدن الكبيرة، وما عاد ينكرها إلا قليل من النّاس، مع أنّ نصوص الشّرع وأقوال علماء الأمّة واضحة في هذا الشّأن ولا تحتمل التّأويل: يقول الله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ (النّساء: 140)، ويقول سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ (الفرقان: 72)، وأيّ زور أعظم ممّن ينسب لله سبحانه وتعالى الولد؟ ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾.

لو كانت القلوب تنبض بالحياة والخوف من الله، لكان قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: “من تشبّه بِقوْم فهو منهم” زاجرا لها، وكيف لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر لا يخشى على نفسه أن يحشر مع قوم قالوا في الله كلمة تتفطّر لها السّماوات؟ يقول عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: “من بنى ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبّه بهم حتّى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة”.. وإعمالا لهذه النّصوص وغيرها أجمع علماء المسلمين على حرمة الاحتفال بأعياد المشركين، حتّى قال الإمام ابن القاسم المالكي -رحمه الله-: “من ذبح بطيخة يوم عيدهم فكأنما ذبح خنزيراً”، وقال الأحناف -رحمهم الله-: “من أهدى إلى رجل في يوم النيروز بيضة فقد كفر”.

لقد اتّفق فقهاء الأمّة على أنّ المشركين الموجودين في ديار الإسلام يمنعون إظهارَ شعائر دينهم خارج دور عبادتهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: “أيما مَصر مصَّرته العربُ فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة، ولا يضربوا فيه ناقوسا، ولا يشربوا فيه خمرا” (أخرجه ابن أبي شيبة).. هذا في شأن المشركين المقيمين في ديار الإسلام، كيف بالمسلمين الذين يظهرون الاحتفال بأعياد المشركين، مع ما يتضمّنه ذلك من إقرار لعقائدهم الباطلة؟!

التهاون لا يجوز أن يصل بنا إلى أمر العقيدة وإلى حقّ الله الأعظم في أن يوحّد في ذاته وصفاته وعبادته.. هذه مسائل ليست فيها مساحات رمادية ولا يجوز أن تكون محلا للمجاملات.. نعم، حقيقة، نحن في خضمّ التخلّف الماديّ الذي نعيشه، في حاجة لأن نتعامل مع الكفّار والمشركين في أمور الدنيا، نحن نحتاج إلى منتجاتهم، وهم يحتاجون إلى أسواقنا، ونحن مأمورون شرعا بإحسان معاملتهم، لكن أن يصل بنا الأمر إلى مجاملتهم في أعيادهم وعقائدهم الباطلة، فهذا لا يجوز أبدا.

إنّنا في زمن فتنة عظيمة؛ زمن الاستهتار بعقائد الإسلام، أصبح فيه المسلم يستحيي من إظهار شعائر دينه ويشعر بثقل وضيق في أيام الأعياد؛ تجد المسلم يشعر بثقل يوم الجمعة، العيد الأسبوعي للمسلمين، يتأفّف ويتضجّر وينام ما يزيد على حاجته، وتجده يوم الفطر والأضحى يتثاقل في تهنئة إخوانه المسلمين، لكن ما أن يقترب رأس السّنة حتّى تجده نشطا في إرسال التهاني في كلّ الاتّجاهات.

هؤلاء المشركون الذين يحتفل بعضنا بأعيادهم؛ هل يشاركوننا الاحتفال بأعيادنا؟ ومع أنّنا نؤمن بموسى وعيسى عليهما السّلام، إلا أنّ اليهود والنّصارى لا يشاركوننا الاحتفال بعيدي الفطر والأضحى؛ فلا نجد يهوديا ولا نصرانيا يذبح أضحية في عيد الأضحى، مثلا.. فلماذا يصرّ بعض المسلمين على إحياء الكريسمس كلّ عام وعلى إنفاق الأموال في عيد نصرانيّ شركيّ أصله وثني؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!