الرأي

كلاب الصيد

فيصل القاسم
  • 8182
  • 26

لاشك أن وسائل الإعلام في الشرق والغرب على حد سواء، هي في الكثير من الأحيان مجرد أدوات سياسية في خدمة هذا النظام أو ذاك.

ولا تختلف البلدان الديموقراطية عن الديكتاتورية في هذا الصدد، فالإثنان يستغلان الأجهزة الإعلامية لتلميع نفسيهما والترويج لمشاريعهما ومخططاتهما واستراتيجياتهما، وأيضاً لتشويه والنيل من خصومهما في الداخل والخارج على حد سواء. ويكفي أن نعلم أن هوليود الأميركية نفسها لا تشذ عن هذه القاعدة، فهي أداة في أيدي النظام الأميركي للترويج للقيم التي يريد نشرها ولضرب وتشويه القوى التي لا تسير على الصراط الأميركي. فقد تم استخدام هوليود بشكل مفضوح أيام الحرب الباردة لتشويه النظام الشيوعي وتصويره على أنه الشيطان الرجيم بعينه، والرفع من شأن النظام الرأسمالي. كما تم ويتم استغلالها بشكل بشع ومفضوح لتشويه صورة المسلمين في العالم خدمة للمشاريع الأميركية.

وحتى الصحافة الغربية التي تدّعي الحيادية والاستقلالية والموضوعية فهي أيضاً في خدمة المشاريع السياسية الرسمية في كثير من الأحيان، فقد أشارت الكاتبة الأميركية أيمي غودمان إلى أن وسائل الإعلام الأميركية الخاصة التي تزعم أنها مستقلة عن البيت الأبيض ناصرت مثلاً الغزو الأميركي للعراق بطريقة مفضوحة، تماماً كما تفعل الصحف الرسمية في العالم العربي عندما يوجهها النظام في هذا الاتجاه أو ذاك. وتدلل غودمان على ذلك بالقول، إن إحدى الصحف الأميركية الكبرى أجرت قبيل الغزو الأميركي للعراق مقابلات مع سبعة وتسعين خبيراً وإعلامياً وسياسياً أيّدوا الغزو، بينما لم تجر سوى ثلاث مقابلات مع أشخاص عارضوا الغزو. وهذا يدلنا بوضوح على مدى التواطؤ بين الإعلام الغربي الذي يدّعي الاستقلالية وبين الأنظمة الحاكمة في أميركا وحتى أوروبا. ناهيك عن أن السواد الأعظم من الإعلاميين الغربيين لم يمانع قط في مرافقة القوات الغربية التي غزت العراق على متن الدبابات والطائرات فيما يسمى بـ:Embedded Journalism  وذلك لنقل الصورة التي كان يريد نقلها البيت الأبيض وعشرة داوننغ ستريت دون رتوش أو تحوير أو تعليق.

لكن مع كل ذلك، من الخطأ الفادح تشبيه الإعلام الغربي كله بالإعلام الرسمي العربي، فمجال المناورة أمام الغربي أكبر بكثير، وتبقى هناك أصوات ووسائل إعلام خارجة على السرب. أما عندنا نحن العرب، فإن وسائل إعلامنا الرسمية أشبه ما تكون بكلاب الصيد، أو بجوقة منظمة، فهي تحت إمرة وزارات الإعلام وأجهزة الأمن، فما أن يأتيها الأمر بالانقضاض على فريسة ما حتى تنقض دفعة واحدة. فالحاكم في بلادنا، كما يقول نزار قباني، في رائعته الشهيرة “أبو جهل يشتري فليت ستريت”، لا يبحث عن مبدع، وإنما يبحث عن أجير. “يعطي للصحافة المرتزقه مجموعةً من الظروف المغلقه… وبعدها… ينفجر النباح والشتائم المنسقه… يستعملون عندنا الكاتب الكبير… في أغراضهم كربطة الحذاء، وعندما يستنزفون حبره… وفكره.. يرمونه، في الريح، كالأشلاء… هذا له زاويةٌ يوميةٌ… هذا له عمود… والفارق الوحيد، فيما بينهم طريقة الركوع… والسجود”.

وبالرغم من ثورة المعلومات والعولمة الإعلامية، فإن الإعلام الرسمي العربي لم يتزحزح قيد أنملة عن استخدام وسائل الإعلام ككلاب صيد. لا بل إن بعض الحكام العرب شديدو الفجاجة في تعاملهم مع وسائل الإعلام والإعلاميين الموظفين عندهم. فالتوجيهات الإعلامية لا تأتي بشكل غير مباشر أو مبطن أو على شكل تلميحات كما يفعلون في الغرب، بل تأتي على هيئة فرمانات قراقوشية ملزمة، والويل كل الويل لمن يعصي الأوامر والإملاءات. لنقرأ الخبر التالي الذي أوردته إحدى الصحف العربية قبل أيام فقط: »في تطور لافت لتهيئة الأجواء لتحقيق التقارب والمصالحة الكاملة بين البلدين، قررت السلطات العربية إيّاها وقف جميع أعمال وصور الحملات الإعلامية المضادة ضد البلد الآخر في كافة وسائل الإعلام المحلية. وكشفت مصادر سياسية  مطلعة أن تعليمات عليا قد صدرت من مكتب الزعيم إلى كافة الصحف بوقف جميع الانتقادات إلى البلد الآخر ووقف الخطاب التحريضي وكافة الأخبار والتعليقات المسيئة له، والإشارة إلى نشر الأخبار والتعليقات التي تساهم في عودة التلاقي والتقارب بين الجانبين. وأضافت المصادر أن نفس التعليمات صدرت لأجهزة التلفاز والإذاعة، بوقف أي برامج أو تعليقات قد تفسّر بأنها تسيء إلى “الشقيقة”، والاهتمام بتشجيع تقارب العلاقات في المرحلة القادمة”. لقد قمت بنقل الخبر حرفياً بعد حذف اسمي البلدين المعنيين، ليس لأنهما استثناء في استخدام وسائل الإعلام ككلاب صيد، بل لأنهما نموذج يُحتذى من المحيط إلى الخليج.

وقبل أسابيع قليلة أوعز زعيم عربي آخر إلى وسائل إعلامه، التي صدع رؤوسنا وهو يروج لها على أنها مستقلة وحرة وموضوعية وعصرية، أوعز لها ولكل العاملين فيها بأن يتوقفوا فوراً عن انتقاد البلد الذي كان على خلاف معه في السنوات القليلة الماضية. وقد أبلغ خصمه القديم بأنه معني بوقف كل الحملات الإعلامية ضده. وعندما حاد بعض الصحافيين التابعين لنظامه عن الخط قيد أنملة طلب من مساعديه ترتيب لقاء بينه وبين كوادر مؤسساته الإعلامية كافة، وقال لهم كلاماً صريحاً وصل حد التبليغ الإداري، أو ما يسمّى “الإنذار”. وقد أوضح لهم: “لقد اتخذت أنا قرار بناء علاقة خاصة مع الدولة الفلانية… فاعلموا أنه من الآن فصاعداً لن يكون مقبولاً التعرّض لها بأي شكل من الأشكال”. ولما حصل نقاش دلّ على وجود ممانعة لدى بعض العاملين لديه، وجد الزعيم الذي نحن بصدده نفسه مضطراً لأن يصوغ موقفه على نحو أكثر حدة ووضوحاً، فخاطب وسائل إعلامه بنبرة تهديد ساحقة ماحقة قائلاً: “هذا قراري، ومن لا يريد الالتزام به، فعليه المغادرة ونقطة على السطر”. تجدر الإشارة إلى أن نفس وسائل الإعلام التي ستلتزم من الآن فصاعداً بكيل المديح للدولة التي يريد الزعيم تطوير علاقته معها، كانت قد قالت فيها قبل أسابيع فقط ما لم يقله مالك في الخمر.

رحمة الله على نزار قباني الذي قال إن الأقلام عندنا يتم شراؤها بالأرطال،

فكاتب مدّجنٌ..

وكاتب مستأجرٌ..

وكاتب يُباع في المزاد

جرائدٌ..

جرائدٌ..

جرائدٌ..

تنتظر الزبون في ناصية الشارع،

كالبغايا…

مقالات ذات صلة