الرأي

كل عام و”وأنتم” بخير؟

ح. م

استهل الجزائريون، سنتهم الميلادية الجديدة، بكثير من الخوف، على ما هو آت، إلى درجة أن أول يوم جمعة من السنة الجديدة، مرّ مثل يوم السنوات الكبيسة الزائد عن الشهر، فكان الناس يشترون بخوف، وكأنهم مقبلون على سنوات عجاف يابسات، بعد أن ضاعت السنوات الخضر، مثل أضغاث أحلام.

وإذا كانت الدول الغربية والآسياوية، قد قدّمت لشعوبها بمناسبة بداية العام الجديد، تخفيضات في الأسعار في مختلف المواد الضرورية والكمالية، معجونة بتبريكات السنة الميلادية الجديدة، فإن الدولة الجزائرية، قدمت لشعبها قانون مالية جديدا، لا شيء فيه غير عناوين الزيادة في الأسعار، وقدم التجار بدورهم لإخوانهم المواطنين أسعارا جديدة، ضمن قانون المالية “الشعبي الحقيقي” السائر بعيدا عن القانون، منذ عقود، وجاءت التبريرات كالعادة سريعة وجاهزة، وهو ارتفاع سعر كل مستورد أو منتج محلي، مع ارتفاع سعر النقل، المرتبط بسعر البنزين والمازوت. ومازال المواطن الجزائري، لا يفهم لماذا تنخفض الأسعار في احتفاليات كل بلاد العالم المسيحي، وترتفع عندنا فتناطح السحاب، حتى ولو تعلق الأمر، بشهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى، التي نقول عنها إنها أيام للرحمة .

لقد عجزت الجزائر في استشراف مستقبلها الاقتصادي، وعجزت عن تقديم أرقام نموّ أو تضخم دقيقة، كما يحدث في كل بقاع المعمورة، فصارت حياتنا أشبه بلعبة قمار، لا أحد يعرف مصير من يجلس على الطاولة الخضراء، يدحرج “مكعب النرد” نحو المجهول، أو يلتقط ورقة “البوكر” التائهة، منذ أن ربطنا حياتنا بأسعار النفط، ونحن نعلم بأن هذا السعر يسيّره الأقوياء كيفما شاؤوا، وهذا النفط زائل، فظننا بأننا خرجنا من الاستعمار بعد تضحيات جسام، بينما الواقع يؤكد بأننا مازلنا في استعمار يتحكم في لقمة عيشنا وفي مصير أبنائنا، والمصيبة الكبرى، أن لا ثورة في الأفق، لأجل التحرّر من هذه التبعية، التي رسمت الشحوب على وجوه كل الجزائريين منذ أول يوم من عام 2016، حتى أنهم عجزوا عن أن يقولوا لبعضهم كما جرى تقليدهم للفرنسيين “عام سعيد”، وحتى الذين تلقوا هذا التبريك، عجزوا عن الردّ عليه، بل إن حالهم لا يشبه أبدا لاعب القمار، لأنه باختصار يمتلك حظوظ ربح، وهم مقتنعون بأن لا حظ لهم في الربح في السنوات القادمة، بعد أن انهار سعر الذهب الأسود، فاسودّت وجوه وقلوب، ونخشى أن يطول زمن السنوات العجاف.

قد تكون الدولة معذورة في لجوئها لقانون المالية الجديد، فهي مجبرة ولا خيار لها، ولا تمتلك آبارا غير آبار النفط ولا أفكارا غير ما تجنيه من نفط، لأجل أن تبني به “أبهتها” ويطول وجودها، ولكن خوف الشعب من المستقبل فيه الكثير من الاستسلام للعجز، وقبوله بأن تتبناه الدولة مدى الحياة فيه أيضا الكثير من القابلية للتخلف، فقد تحوّلت أندونيسيا من بلد نفطي متخلف جدا، إلى بلد من دون نفط ومتطور جدا في بضع سنوات،

فماذا ينقصنا؟   

مقالات ذات صلة