منوعات
استهداف وأخطاء ومآس تشوّه لغة الضاد في يومها العالمي

“كنتي” “دمتي” “لكي” “أنتي” وغيرها.. مجازر تفتك بجماليات اللغة العربية

صالح سعودي
  • 2900
  • 17
ح.م

تكشف المحادثات والكتابات اليومية للجزائريين والعرب بشكل عام عن أخطاء نحوية وتركيبية فادحة، ما جعلها بمرور الوقت تصنف في خانة “العادي”، فيما وصل البعض إلى قناعة بأن ما لم يتحقق في عهد قاسم أمين الداعي إلى ترك الإعراب، قد تجسد مع مطلع القرن الـ 21، بدليل نوعية الأخطاء التي تقع فيها أطراف محسوبة حتى على الوسط العلمي والإعلامي والثقافي، مثل كتابة: أنتي، كنتي، دمتي، لكي، لما لا، جاءة، وغيرها من الكلمات بطريقة قد تصيب النحويين القدامى بالإغماء لو عودوا إلى عالم الأحياء.

يؤكد الكثير من النقاد والباحثين بأن اللغة العربية تعرف خلال السنوات الأخيرة الكثير من أوجه الغربة والتشويه، ورغم أن الأمم المتحدة خصتها بيوم (18 ديسمبر) وفق القرار رقم 3190 الذي بموجبه تم إدراج اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة، إلا أن الواقع الميداني يؤكد بأن لغة الضاد تعاني الغربة والمجازر في أوساط العرب قبل أي طرف آخر، ما جعل بعض النقاد والباحثين يدعون إلى نظرة جادة بخصوص التحديات التي تواجه اللغة العربية في ظل الرقمنة وحجم استخدامها في عالم الأنترنت، والوقوف على أسباب اتهام اللغة العربية بعدم القدرة على استيعاب المصطلحات العلمية الجديدة في ظل تقصير المشرفين عليها في تطويرها، ناهيك عن الهجمات التي تتعرض لها كرمز الهوية، وكذا مخاطر كتابة اللغة العربية بالحرف اللاتيني في فضاء الأنترنت وأساليب التصدي لها.

ومن الجوانب التي تأسف لها الكثير هو أن الأخطاء النحوية والتركيبية وحتى المعرفية لم تقتصر على الأفراد العاديين في محادثاتهم وكتاباتهم، بل تعدت إلى الجهات الرسمية والقائمين على المنظومة التربوية، حيث أكدت مؤخرا تقارير بأن الكتب المدرسية للطورين الابتدائي والمتوسط تضمنت أخطاء فادحة بلغت 2400 خطأ معرفي ولغوي، وهو عدد هائل يطرح نفس الكم من الأسئلة على اللجنة المكلفة بإعداد الكتب المدرسية التي تقدِم للتلميذ معلومات خاطئة ولغة غير سليمة، بشكل يعكس حجم المجازر في حق اللغة العربية.

والواضح أن مجازر اللغة العربية بلغت أوج مآسيها عند طلبة الجيل الحالي، بسبب الأخطاء الفادحة المرتكبة في ورقة الامتحانات، حيث أعطى أحد الأساتذة نموذجا لورقة تكتب فيها صاحبتها مقدمة عن الشعر الرومانسي بهذه اللغة: “جاءة حركة سؤال الذات لثرد لاعتبر لذت الشاعر التي همشهة لأحيائيون، وسهمات عدة عوميل في ظهور شعر الرمنسي مثل صعود البرجوزية ولاحتكاك بثقافة الغربية، ونقسمات إلى ثلاثة المدرس هتمات جمعها باشعر الوجدان… ومن أبرز شعراء الدين حملو على عتقهوم لوء هذ التاير..”، مؤكدا في ملاحظاته بأن الجانبين المنهجي والمعرفي المسؤول عنهما حاضران، لكن الجانب اللغوي كارثة عظمى، متسائلا “أين درس مثل هؤلاء؟ ومن أوصلهم إلى البكالوريا؟

وإذا كانت الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي قد أكدت تعلقها باللغة العربية، في منشور لها على حسابها في “تويتر”، حين كتبت “أكتب بالعربية لأنها لغة قلبي ولأدافع عن قبر أبي، ترك لي العربية أمانة لأنه حرم منها، إنها آخر قلاعنا يا عرب، إن سقطت انتهى أمرنا”، فإن الدكتور بوعمامة (أستاذ اللسانيات بجامعة باتنة) لم يتوان في انتقاد العرب المعاصرين الذين انبهروا بالمصطلحات الغربية، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء العودة إلى التراث العربي، وقال في ندوة نظمت مؤخرا بقسم اللغة العربية بجامعة باتنة “أصبحنا نلوك مصطلحات وألفاظ جئنا بها من بيئات تختلف عن بيئاتنا، إن العبرة في العودة إلى التراث وليس مسايرة الغرب في المصطلحات“.

وأضاف قائلا “إن اللغة العربية ليست متخلفة، بل الذين يتكلمون بها هم المتخلفون”، مضيفا أن القدامى أبدعوا في العلوم والمناهج، كما أن الكثير من العلوم انتقلت إلى أوربا باللغة العربية الفصحى مثل فلسفة ابن رشد التي ترجمت في الغرب، مضيفا أن باللغة العربية كتب وفكّر بها الخوارزمي وابن سينا وغيرهما، وتأسف لانقلاب الأمور حتى صرنا مثلا ننطق اللوغاريتمات بدل الخوارزميات، وجدد التأكيد بأن القصور يكمن في العقلية العربية المعاصرة وليس في العربية.

في المقابل، دعا الدكتور عبد الحميد هيمة من جامعة ورقلة، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، إلى السعي بجد لتطوير اللغة العربية وحمايتها من الإقصاء والتهميش الذي مورس عليها من قبل، وجعلها عاملا جامعا وموحدا لكل مكوّنات المجتمع الجزائري. وصمّام أمان لكل ما من شأنه ضرب الوحدة الوطنية. لأن العربية حسب قوله هوية تتجاوز العرق إلى محدد ثقافي بالغ السعة والمرونة يستوعب كل مكونات المجتمع الجزائري عبّر عنه النبي (ص) عندما قال: “بأن من تكلم بلسان العرب فهو عربي كائنا ما كان أصله ونسبه“.

مقالات ذات صلة