-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كن مع الحجيج بقلبك وروحك

سلطان بركاني
  • 506
  • 0
كن مع الحجيج بقلبك وروحك

مع ارتفاع أذان المغرب يوم الأحد الماضي، أهلّ هلال شهر ذي الحجّة الحرام، أفضل شهر بعد رمضان؛ أيامه العشرة الأولى هي أفضل أيام الدّنيا؛ يقول المصطفى -عليه الصّلاة والسّلام-: “أفضل أيام الدنيا أيام العشر”.. أيام أقسم الله -جلّ وعلا- بلياليها في كتابه فقال: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ}، وجعلها أيام ذكر وطاعة فقال -جلّ ذكره وتقدّست أسماؤه-: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}.. أيام يجتمع فيها من العبادات ما لا يجتمع في غيرها: تجتمع فيها الصلاة والصيام والنّحر والصدقة والحج.. والمحروم حقا من أقعدته نفسه عن الاجتهاد في هذه الأيام!

كثير من المسلمين لا يتذكرون التوبة إلى الله ولا يحدّثون أنفسهم بفتح صفحة جديدة من حياتهم، إلا في رمضان، مع أنّ التوبة فرض عين على كلّ مسلم في كلّ وقت وكلّ حين، وتتأكّد في المواسم الفاضلة التي تهبّ فيها نفحات العفو والمغفرة ويجد فيها العبد المؤمن رقة في قلبه وصفاءً في روحه.. ومن فضل الله أنّ المواسم كثيرة وتتوالى على مدار العام، من أهمّها وأسنحها: أيام شهر ذي الحجّة.. وإذا كان رمضان فيه العشر الأواخر وليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر! فإنّ ذا الحجّة فيه العشر الأوائل وعرفة والأضحى وما أدراك ما عرفة والأضحى!

ذو الحجّة، شهر تعود بنا أيامه الأولى إلى رمضان، وتدعونا بإلحاح لنتوب ونؤوب ونصلح أحوالنا ونجدّد العهد مع الله الواحد الديان، لعلّنا نظفر بعفوه ومغفرته في أيام هي أفضل أيام الدنيا وأكرمها على الله.. الأيام العشر الأولى من ذي الحجّة أيام يتوب الله -جلّ وعلا- فيها على من تعرّض لنفحاته وعمل صالحا، ويضاعف له الأجور أضعافا لا يعلمها إلا هو سبحانه، يقول الحبيب -عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم-: “ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيامِ يعني أيامَ العشر”. قالوا: يا رسول الله، ولا الجهادُ في سبيل الله؟ قال: “ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء”.

أيام العشر من ذي الحجّة التي بدأت يوم الإثنين الماضي، هي فرصة جديدة وسانحة لكلّ متحسّر على فوات فرصة رمضان.. هي فرصة لكلّ عبد فترت همّته وضعفت نفسه بعد شهر الغفران، لكلّ عبد يريد أن يحيي نفسه ويجدّد توبته، ويبدأ صفحة جديدة في حياته مع الله.

أيام العشر هي فرصة مَن أحسن استغلالها سيكسب بإذن الله خيرا كثيرا.. لربّما ينظر الله -تبارك وتعالى- نظرة رحمة إلى أحدنا وهو يجتهد في القرب منه -سبحانه- في هذه الأيام ويرى منه الصّدق والحرص على رضاه، فيكتب له رضوانه ويتقبّله في الصّالحين ويسجّل اسمه في سجلّ السعداء.

هي أيّام صلوات ودعوات، أيّام صيام وتسبيح وتهليل وتكبير ومشاركة للحجّاج في دعائهم وابتهالهم.. فحريّ بالمؤمن أن يحرص فيها على الإكثار من الطّاعات والقربات، عسى الله أن يتقبل منه ويغفر ذنوبه.. من كان متهاونا في صلاته فلتكن هذه الأيّام بداية له لإصلاح حاله مع هذا الرّكن العظيم من أركان الإسلام.. ومن حُرم قيام الليل فيما مضى فلتكن هذه الأيّام بداية له ليذوق حلاوة القيام بين يدي الله في وقت السّحر.. ومن حُرم لذّة الصّيام في غير رمضان فلتكن هذه الأيّام بدايته ليذوق لذة الجوع طلبا لمرضاة الله.. ومن حُرم لذة الإنفاق، فلتكن هذه الأيام بداية له لينعم بلذة الإنفاق في وجوه البرّ والخير.

إذا كان الفرح في عيد الفطر ما شرع إلاّ ليشكر العبد المؤمن ربّه على التوفيق لصيام شهر رمضان وقيام لياليه، فإنّ الفرح في عيد الأضحى أيضا ما شرع إلاّ ليشكر العبد المؤمن ربّه على التوفيق للطّاعات والقربات في أيام العشر من ذي الحجّة، فبماذا يفرح في العيد من غفل في أيام العشر؟ بماذا سيفرح من غفل فيها عن الصّدقة والصّيام والقيام؟ بل بماذا سيفرح من تزوّد فيها من الأوزار الآثام؟ إذا كانت أجور الأعمال الصّالحة في مثل هذه الأيام الفاضلة تضاعف، فإنّ أوزار المعاصي أيضا تضاعف: يقول ابن عباس -رضي الله عنه-: “اختصّ الله أربعة أشهر جعلهنّ حرماً، وعظّم حرماتهنّ، وجعل الذّنب فيهنّ أعظم، والعمل الصّالح والأجر أعظم”.

إذا كنّا قد حرمنا أن نكون هذه الأيامَ هناك في البقاع الطّاهرة المكرّمة مع حجيج بيت الله، نحرم ونلبّي وندعو ونسبل الدّمعات، ونطوف ونسعى ونقف بعرفات ونرمي الجمرات، فلا ينبغي أبدا أن نحرم روحانيات ونسمات الحجّ هنا.. إذا كنّا قد حرمنا أن نكون هذه الأيام هناك بين الحجيج بأجسادنا، فلنكن معهم بقلوبنا.. إذا كنّا قد حرمنا الوصول إلى البيت العتيق، فلا ينبغي أبدا أن تحرمنا أنفسنا الوصول إلى ربّ البيت العتيق.

إنّها أيام وليالٍ يجاب فيها الدّعاء ويحقّق فيها الرّجاء بإذن الله ربّ الأرض والسّماء، فلنكثر فيها من الدّعاء لأنفسنا وأهلينا وذرياتنا، ولإخواننا المسلمين في كلّ مكان.. الدعاء في هذه الليالي قريب من الإجابة، والمحروم من غفل عن دعاء من بيده ملكوت الأرض والسّماء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!