جواهر
وجهات نظر

“كوكوشانيل” و”دوارة” العيد!

سمية سعادة
  • 2481
  • 18
ح.م

رغم مرور أكثر من أسبوع على عيد الأضحى، مازلت أتساءل عن السبب الذي جعل عشرات العائلات الجزائرية تتخلص من “دوارة” الكباش على قارعة الطريق وكأن الأمر يتعلق بمسابقة بين الأحياء لرمي أكبر عدد من “الدواوير”!.
كان المشهد مقززا فعلا، ومثيرا للدهشة، بالنظر إلى الظروف الاقتصادية السيئة التي تعانيها الأسر الجزائرية، ناهيك عن الطريقة التي ألقيت بها هذه “الدوارة” التي رميت مباشرة على الأرض بدون أن توضع في أكياس بلاستكية تحفظها من تجمع الذباب أو تسهل على عمال النظافة جمعها، وأكاد أجزم أنها شكلت، أي “الدوارة”، تحالفا مع جلود الأضاحي التي غزت الشوارع هي الأخرى لتتسبب في انتشار وباء الكوليرا الذي ظهر مباشرة بعد العيد!.
وبعدما كُنّا نلتمس الأعذار للنساء في رميهنّ جلود الأضاحي، قبل أن تبادر وزارة الصناعة لإطلاق حملة جمعها، وكنّا نقول، حينئذ، بأنّ هؤلاء المسكينات، لا يُتقنّ نتف الصوف لاستغلاله في ملء الوسائد مثلا، مثلما كانت عادة أمهاتنا وجداتنا، تطورت الحكاية المأساوية، أو المهزلة ربما، إلى ما هو أخطر، حيث صارت النسوة لا يقمن بغسل “الدوارة”، ويُفضّلن التخلُّص منها كاملة مثلما تُستخرج من بطن الأضحية، تفاديا لمعركة تنظيفها التي تأخذ منهن بعض الوقت والجهد، وربما كان الدافع وراء رميها هو تفادي الرائحة التي تنبعث من “الدوارة” عند فتحها نتيجة بقايا الشعير والتبن الذي يكون الكبش قد استهلكه قبل نحره، وطبعا فإن أنوف هؤلاء المسكينات تعوّدت فقط على اشتمام روائح العطور الباريسية مثل “دافنشي” و”لنكوم تريزور” و”كوكوشانيل”، بينما تتسبب رائحة “الدوارة” في إصابتهن بالغثيان و”الدوخة”، ولذلك فإنّ أفضل طريقة لتفادي كلّ تلك المنغصات هي رميها دون أسف أو لحظة تردُّد.
وشيئا فشيئا، سيجد رب الأسرة في الجزائر، يُضحّي من أجل أن يكون مصير ثلث أضحيته في مكبّات القمامة، ولسنا ندري ما هو المصير الذي يأخذه الثلثان المتبقيان من الأضحية.
لا شك أنّ الكثير من النساء طربن لدى سماعهنّ تلك الانتقادات التي وجّهها الروائي أمين الزاوي للبداوة الإسلامية، وتزامنت مع عيد الأضحى، وراح الكثير من الناس يُقرُّ بأحقيّة تلك الانتقادات وشرعيتها، مع رؤية مظاهر أكوام “الدوارة” وهي تحتلُّ شوارع المدن بشكل مقزّز، كما طربن لتلك الدعوة التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام عن الروائي الآخر، ياسمينة خضرا، ودعا فيها إلى تبني فكرة اختيار كبش واحد للتضحية به عن كلّ مدينة، بدل نحر الآلاف من الكباش في يوم واحد، وهذا من شأنه أن يُريح الكثيرات من عناء تنظيف وطهي لحوم الأضاحي، بعدما تعوّدن على خدمات “الديليفري” و”ساندويتشات” “الفاست فود”، التي عادة ما يُحضّرها طبّاخون رجال، ويستهلكها نساء ماكثات بالبيت رفقة أفراد العائلة..
من كان يُصدّق أنّه بعد كلّ هذه السنوات، تُصبح المرأة الجزائرية عاجزة عن كلّ شيء، حتى عن غسل “الدوارة” التي تأتي مرة واحدة كلّ عام، ولم تعد، أفضلهنّ إحساسا بالمسؤولية إزاء الأسرة والمجتمع، ترى أكثر من أظافر يديها وأرجلها، تتعهّدُها بالعناية، صباح مساء، خشية أن تتشقّق من كثرة غسل الصحون وتحضير الخبر وتدبير شؤون البيت العائلي الذي يكاد ينهار ويفقد بهجته بفعل تنازل المرأة عن مهامها الأساسية، مهام المرأة” الفحلة”.

مقالات ذات صلة