كيف يُفهم تصريح رئيس الجمهورية بخصوص مراجعة النقطة الاستدلالية؟

أثار حديث رئيس الجمهورية حول تحسين القدرة الشرائية بمراجعة النقطة الاستدلالية لغطاً لا يخلو من تقوُّل وقلة تدقيق، مثل هذه القرارات تُفهم في إطار مرجعيتها القانونية التي لا شك أن تصريح رئيس الجمهورية منضبط بها انطلاقاً من ثقافة الدولة والتزامها.
عادة وفي مثل هذا المقام لا بد من تحديد الإطار التشريعي المُحكَّم حتى لا نغرق الأوهام والتأويلات غير المنضبطة والتي قد تُخرج التصريح عن سياقه.
إننا هنا نتحدَّث عن أجور الموظفين العموميين والذين يؤطرهم بعد الدستور:
ـ الأمر الرئاسي 06ـ 03 المتضمن القانون الأساسي لعمال الوظيفة العمومية.
ـ والمرسوم الرئاسي 07ـ 304 المتضمن كيفية بناء أجور الموظفين والشبكة الاستدلالية.
ـ ثم المراسيم الرئاسية الموالية: 305، 306، 307.
مفاهيم مفتاحية:
ـ النقطة الاستـــــــــــــدلالية: هي الوحدة الأساسية لقياس الأجر المرتبط تعدادها بمستوى التأهيل الذي يحوزه الموظف والمعبَّر عنها بـ: 45 دج، ما نصت عليه المادة 8 من المرسوم 07ـ 304. (بينما هي 19 دج بالنسبة للأعوان العموميين الذين يمارسون وظائف عليا في الدولة).
ـ الرقم الاستدلالي الأدنى: وهو مجموع النقاط الاستدلالية المقابلة لمستوى التأهيل، أدناه: 200 نقطة وأعلاه 1480، (المادة 2 من ذات المرسوم).
ـ الرقم الاستدلالي للدرجة: وهو مجموع النقاط الاستدلالية المقابلة للدرجة (من 1 إلى 12، يختلف مجموع ذات الدرجة حسب الرتبة) التي يحوزها الموظف (أنظر المادة 2 من المرسوم 07ـ 304).
ـ الراتب الأســــــــــــــــــــاسي: وهو حاصل ضرب الرقم الاستدلالي الأدنى في قيمة النقطة الاستدلالية، مثال: حامل شهادة “ليسانس” رقمه الاستدلالي 537 مضروب بقيمة النقطة الاستدلالية الحاصل 45 دج، الحاصل =24165 دج، هو أجره الأساسي.
ـ الراتـب الرئيســـــــــــــــــــي: هو الراتب الأساسي مضافاً إليه حاصل ضرب الرقم الاستدلالي المقابل للدرجة في قيمة النقطة الاستدلالية.
بناء راتب الموظــــــــــــــــف
يتكون راتب الموظف من مركِّبتين:
الأولى: الأجر الرئيسي: وهو الأجر الأساسي مضافاً إليه تثمين الرقم الاستدلالي في الدرجة، وهو يعبِّر عن الالتزامات القانونية الأساسية للموظف المرتبطة مباشرة بمستوى تأهيله.
الثانية: العلاوات والتعويضات: وتقابل التبعات الخاصة المرتبطة بطبيعة النشاط ومكانه وظروفه.
هذا البناء يعبِّر عن فلسفة مقصودة في بناء الراتب، وأيُّ تدخل عليها بتغيير الرقم الاستدلالي سنكون بحاجة إلى عمل شاق ودقيق لا أراه مستهدَفاً الآن، إنما المستهدَف هو تحسين القدرة الشرائية دون الإخلال بتراتبية تنظيم الأجور وفلسفته.
وعليه، فإنَّ أيسر طريقة لذلك والتي ستُنفذ بعدالة واضطراد هي حتماً “رفع قيمة النقطة الاستدلالية” والتي يمكن التحكم فيها انطلاقاً من تحديد الميزانية المرصودة للعملية وبدقة وعدالة.
أما الحديث عن رفع عدد النقاط الاستدلالية فهو يعني رفع الرقم الاستدلالي الأدنى وهو ما لا يتحمله تصريح الرئيس إطلاقاً.
ولو افترضناه جدلاً فإنه إما أن يكون موحداً وفي هذه الحالة يكون رفع قيمة النقطة الاستدلالية أدق تعبيراً منه، فضلاً عما سيحدثه من خلل في احتساب منحة الخبرة المهنية المرتبطة بالرقم الاستدلالي في الدرجة.
أو يكون مختلفاً وفي هذه الحالة فهو يعني مراجعة فلسفة بناء الأجور وتثمين الشهادات العلمية وهو عمل شاق وطويل ومثير لجدل لا ينتهي لا أقدر أن الرئيس يقصده.
مع ملاحظة مهمة هنا وهو أن فئة المتقاعدين لن تستفيد من أي زيادة ناتجة عن رفع قيمة النقطة الاستدلالية، رغم أنها ربما الأكثر تضرراً بانخفاض القدرة الشرائية، هذه الفئة تستفيد كغيرها فقط من تخفيض قيمة الضريبة على الدخل والتي من الأولى إلغاؤها نهائياً في قطاع الوظيفة العمومية، ولذاك فإن مضاعفة قيمة النقطة الاستدلالية قد ترفع الأجور الى ما فوق ¬60 بالمائة…
استغربت لما سمعت دكتوراً في الاقتصاد يتحدث في هذا عن ضرورة رفع قيمة النقطة الاستدلالية وفي نفس الوقت الرقم الاستدلالي، رغم أن الأول يُغني عن الثاني حين نتحدث عن تحسين القدرة الشرائية كدافع وحيد في كلام الرئيس وبيان مجلس الوزراء دون المساس بشبكة الأجور غير المستهدَفة حاليا.
حين نخاطب الناس على الشاشات فإما أن نُتعِب أنفسنا لنُسمِعهم ما يفيد أو نعتذر عن الحديث فيما لا نعلم أو لم نستطع أن نفهم،
وعلى الذين يكتبون للرئيس أن يتحرُّوا الدقة ويستعينون بالمتخصِّصين فيما لا يعلمون حتى لا يسيئون إلى سمعته.