جواهر
جزائريات لا يعترفن بالسهرات الرمضانية المنزلية

لا تبحثوا عنا.. نحن في الفيسبوك!

سمية سعادة
  • 4973
  • 22
ح.م

استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة”الفيسبوك” الذي يفضله الجزائريون على باقي المواقع، أن يستقطب الكثير من النساء والفتيات الجزائريات إلى سهرات رمضانية افتراضية خالية من “الزلابية”و”قلب اللوز”، ولكنها غنية بالكلام المباح حتى تشرق شمس الصباح.

 سهرات تباح فيها الأسرار، وتشتكى فيها المواجع، وتتبادل فيها البوقالات، وتنشر فيها صور موائد الإفطار الغنية بأكلاتها المتنوعة، والبسيطة التي تكشف قلة ذات اليد، فيما تبقى صاحبات هذه المشاركات مجهولات الهوية، حيث أن أكثرهن يتخفين وراء أسماء مستعارة، لذلك يرتفع سقف حرية “التعبير”، سيما وأن معظم “الساهرات” ينتمين إلى مجموعات نسائية اعتادت أن تفتح باب النقاش في كل شيء وأي شيء، لذلك من المتوقع أن تكون هذه المجموعات قد أصيبت بنكسة حقيقية، وانتكاسة شديدة، بعد حجب مواقع التواصل الاجتماعي تزامنا مع امتحانات البكالوريا.

 وما يميز السهرات الرمضانية على الفيس بوك، أنها تستمر إلى ما بعد الإمساك، وأحيانا حتى الصباح حسب ما عايناه، وغالبا ما تقوم الناشطات اللواتي جافاهن النوم بدعوة “الزميلات”إلى إثبات تواجدهن في الصفحة بتعليق أو إعجاب، فيما تقوم أخريات بتصوير جزء من الشارع أو النافذة التي تسلل منها ضوء الصباح وهن لازلن يتبادلن الأحاديث وراء شاشات الهواتف والكومبيوتر.

ولعل أكثر المواضيع التي يتم التطرق إليها في هذه السهرات الرمضانية، هي كيفيات الطبخ التي كثيرا ما تكون مرفقة بالصور التي تشرح مراحل إعدادها بما يجعلها تحوز على اهتمام الكثيرات اللواتي قد تصل أعدادهن إلى أكثر من ألف متابعة ومعجبة، فيما يبقى المجال مفتوحا لمن ترغب في الاستفسار عن كيفية ما، أو لمن تود استشارة المجموعة في الأطباق التي تريد أن تحضرها لضيوفها، وما بات يميز هذه الجلسات الافتراضية في شهر رمضان، تصوير موائد الإفطار الأمر الذي أثار حفيظة بعض المشاركات اللواتي اعتبرن هذا الأمر مسيئا لمشاعر الفقراء والمرضى الذين لا يمكنهم تناول هذه الأطباق، وحتى لا يبقى المجال للميسورين فقط، قامت إحدى الناشطات بنشر صورة لمائدة إفطار عائلتها التي قالت عنها إنها بسيطة وفقيرة لأن والدها بطال، بينما هي لم تتقاضى راتبها منذ 7 أشهر، وهو ما جعل المشاركات في المجموعة يعبرن عن تضامنهن معها.

 وباعتبار أن رمضان، شهر التقوى والتوبة،  تخصص مجموعات نسائية أخرى سهراتها لتبادل المواعظ والترغيب في التوبة وترك المعاصي التي تفسد على الصائم صيامه فلا ينال منه إلا الجوع والعطش، ومن أكثر المعاصي التي تحذر منها هذه المجموعات، مشاهدة المسلسلات العربية والتركية التي تعرض صورا خادشة للحياء، ومشاهد لا تتناسب مع الشهر الفضيل، ونشرت إحدى المجموعات شعارا تحذيريا يقول”أم بي سي .. ذنوب تجمعنا” في إشارة إلى البرامج التي تنتهك فيها حرمة رمضان بالعري والإيحاءات المثيرة للغرائز، كما تذكّر العضوات في هذه “الجروبات” النساء إلى فضل الاستغفار وصلاة التهجد وقراءة القرآن الكريم مع تزويد الزائرات للصفحة بجدول زمني لختم المصحف عدة مرات في هذا الشهر، وكثيرا ما تجد هذه الصفحات الدينية تفاعلا كبيرا، ليس من العضوات و فحسب، بل من الزائرات اللواتي يبحثن عما يقوي إيمانهن، وييسر طريقهن إلى التوبة.

صنف آخر من النساء والفتيات يحبذن طرح مشاكلهن الشخصية في السهرات الرمضانية بحثا عن الاستشارة والدعم النفسي، وأيضا للحصول على أكبر عدد من التعليقات وشارات الإعجاب، على أساس أن بعضهن يقمن بفبركة قصة خيالية مثيرة للشفقة والحزن، ثم يكشفن في آخر القصة أنهن كن يمزحن فقط، بينما تثبت بعض الناشطات ظروفهن القاسية وتعرضهن للظلم بالصور التي غالبا ما يلتقطنها لأنفسهن، كحال إحدى الفتيات التي نشرت صورة تبرز تورما في جسدها بسبب الضرب المبرح الذي تلقته من أخيها نصرة لزوجته، أما إحدى”الحاضرات” في السهرات “الفيسبوكية” فقد روت قصتها مع الإهانات التي تعرضت لها من طرف أهلها بسبب تأخرها في الزواج، ولكن الله منّ عليها بعد سن الأربعين بزوج صالح وحياة مستقرة قرت بها عينها، وسعد لها قلبها.

سهرات رمضانية طويلة لا تنتهي مع آذان الفجر وصياح الديك تموج بها هذه المساحة الزرقاء التي لم تترك للسهرات المنزلية إلا مجالا ضيقا يكاد يتلاشى أمام عدم قدرة الناشطات عن الاستغناء عن هذا الأزرق الساحر حتى وهن مضيفات أو ضيفات في سهرات منزلية، فلا تكاد أعينهن تغادر شاشات الهواتف لأن الذي في الداخل أكثر جاذبية، وأكثر إثارة من هذا الذي في الخارج وأمام العين.

مقالات ذات صلة