الرأي

لباس “الإحرام” الخالد

ح. م

في الوقت الذي تمكّن الغرب، من تحويل العُري إلى ثقافة وحضارة وتجارة مُربحة، وتحويل بعض الألبسة التي اخترعها هو، وألصقها بالمسلمين والمسلمات مثل “البوركيني” إلى خبر إعلامي، وجدل سياسي واجتماعي يتداوله الناس، لا أحد من المسلمين، تمكّن من تقديم لباس الإحرام الذي يرتديه الحجاج والمعتمرون في بيت الله الحرام، برسالته الخالدة التي تقدم الإنسان بياضا، قلبا وقالبا، فيستوي في ذلك القادم من أندونيسيا مع القادم من المغرب، والثري أو الملك مع المُعدم والمسكين.

لقد تمكن الإعلام الغربي، ورفقته بعض الإعلاميين المسلمين، خلال أحداث منى في موسم الحج الماضي، من نفخ سمومه، عندما راح يقدم مشاهد عن مهرجان للخمور في ألمانيا، شارك فيه الملايين من البشر، من دون أن يسقط فيه أي قتيل، ويقارنها بمشاهد منى، حيث سقط الآلاف من القتلى من كل الجنسيات، كما قدّم هذا الصيف مشاهد من مختلف شواطئ المعمورة، حيث تساوى الناس في العُري، ويحذر من أي لباس يزلزل مساواة العراة، ولا أحد التفت إلى الرسالة الخالدة للباس الإحرام الذي يُبهر صورة ويُبهر بالتأكيد رسالة.

وللأسف، فقد بقي حديث علماء المسلمين قديمهم وحديثهم، معتدلهم وسلفيهم، حول كيفية وتوقيت لباس الإحرام، بترك الكتف مغطى أو تعريته، ونوعية النسيج المصنوع منه، من دون التطرّق إلى منظر الملايين من الحجاج المتساوين في الهندام، عكس المشاهد المزركشة والمتناقضة، والتي قد تثير الاشمئزاز والحسد بين الناس، في مختلف شوارع عواصم العالم، ومهرجاناتها وكرنفالاتها، حيث يظهر على الثري من لباسه الثراء، ويظهر على الفقيرة، بؤسها، بينما يطلّ الحاج على الناس، بريء كما ولدته أمه في أبهى صورة وأنصعها.

اهتمام المسلمين بقشرة الفرض، أكثر من لبّه، أو صراحة من دون لبّه، هو الذي جعل المسلمين، يُصلّون من دون أن تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر، ويأخذون من أموالهم صدقة، من دون أن يزكّون أنفسهم بها، ويحجون وهم يرفثون ويفسقون، ويصومون من دون أن يتقوا، فتحوّلوا إلى ظاهرة صورية وصوتية يشاهدها ويسمعها الناس، تملأ بخُمرها ولِحاها الدنيا، ولا تملأ أبدا فراغات حياتها، التي صارت تُسيّر اقتصاديا وعلميا وثقافيا، بكل ما هو آت من الغرب.

فالقصد من أن يحمل الحاج وهو مسافر إلى البقاع المقدسة، لباسَ إحرامه الأبيض، هو أن يرتدي النصاعة في قلبه طوال عمره، والقصد من أن يختلط بالشعوب القادمة من مشارق الأرض ومغاربها، هو أن يأخذ من المتفوق تفوقه ومن المتخلق أخلاقه، فنكون شعوبا وقبائل فنتعارف، ويكون أكرمنا عند الله أتقانا، فيتساوى مع الناس علما وخلقا، كما تساوى معهم لباسا أبيض، وأداء للشعائر الدينية في نفس المكان وفي نفس الزمان وبنفس الطريقة.

لا يمكن لأي ملتقى في العالم أن يقدم الناس على فطرتهم في المضمون والشكل كما فعل ويفعل “الحج” إلى يوم الدين، ومع ذلك يتحوّل لباس شابة للـ”بوركيني” في شاطئ في نيس الفرنسية، موضوعا مثيرا للجدل، ويبقى لباس الإحرام الخالد صورة من دون مشاهد؟

مقالات ذات صلة