الرأي

للظالم أن يستبد، وعلينا أن نستعد

صاحب هذه الجملة كان منذ منتصف الثلاثينات إلى إعلان الجهاد ملء سمع الجزائريين وملء بصرهم، ولكنه منذ استعادة “الاستقلال” صار نسيا منسيا، كأن لم يكن شيئا مذكورا، إنه الشيخ عبد القادر الياجوري “الذي – كما يقول الدكتور أبو القاسم سعد الله – جمع بين الإخلاص للعلم والجهاد الحقيقي”، وقد عاش قريبا من ثمانين سنة، حيث وُلد في عام 1912، وأتاه اليقين في 1991.

إن أول من حدثني عن الشيخ حديث المعجب به، المقدر لفضله هما الأستاذان الفاضلان مصطفى بوغابة الذي عمل معه في معهد الإمام ابن باديس، والأستاذ عبد الإله ميسوم الذي تعرف إليه في مدينة وهران التي استقر بها الشيخ الياجوري، رغم أنه من أبناء ڤمار بولاية وادي سوف.

كان الياجوري ضعيف البنية، لخص هذا صديقه أحمد رضا حوحو في ميزانه بقوله: “وصاحبنا من وزن الريشة، فيه رطل من اللحم، ورطلان من العظم، ومثلها من اللباس”، ولكن “تحتل نفسه ثورة عنيفة في جرأة عنيدة”، ولذلك كان “اختصاصيا في معرفة السجون وألوان العذاب”.

انضم الشيخ إلى جمعية العلماء في سنة 1931، وكان آنذاك يطلب العلم في جامع الزيتونة.. ولذلك اعتبره رضا حوحو “جنديا من قدماء المحاربين في هذه الحركة الإصلاحية المباركة، خاض المعارك في كل ميدان، واستعمل في كفاحه كل سلاح”،

كان لثوريته محبوبا لدى طلاب معهد ابن باديس، لأنه كان يغرس فيهم هذه الروح الثورية، ويهيئهم ليوم لا ريب فيه، يراه هو قريبا، ويراه غيره بعيدا، ولا يراه آخرون.. وقد حدثني الدكتور عبد الرزاق ڤسوم، وهو من طلابه في معهد ابن باديس أنه كان يقول لهم: “للظالم أن يستبد وعلينا أن نستعد”، وإذا كان كلام الشيخ الياجوري ينطبق على كل ظالم، فإنه يعني به فرنسا أم الاستبداد، التي لو وزع استبدادها وطغيانها على العالم لوسعه، فهي لم تكن مستبدة فقط؛ ولكنها كانت مصدرة للاستبداد، ومعلمة له، ومتفننة فيه..

وأما واجبنا – نحن الذين ابتلينا بطغواها – فهو “أن نستعد” لنذيقها ما أذاقتنا.

إن هذا الاستعداد الذي أشار إليه الشيخ الياجوري – رحمه الله – هو من أمر الله – عز وجل – الوارد في القرآن للمؤمنين، وهو قوله – عز من قائل – »وأعدّوا لهم ماستطعتهم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم«.

وقد كان الإمام محمد البشير الإبراهيمي – رحمه الله ورضي عنه – يغرس فكرة الإعداد والاستعداد، لتصفية الحساب مع فرنسا الطاغية، في نفوس الجزائريين وعقولهم عموما، وفي نفوس أعضاء وطلاب وتلاميذ جمعية العلماء خصوصا، فيردد على أسماعهم في دروسه وكتاباته مقولته الرائعة: “إن مادة عدا يعدو (من العدوان) لا تنسخها مادة دعا يدعو، ورنما ينسخها مادة أعدّ يُعدّ، فأعدوا واستعدوا…”.

وقد حدثني الأستاذ حسين بوشعيب – رحمه الله – أن الشيخ الياجوري استخرج في أوائل الخمسينيات جواز سفر بنية الذهاب إلى الحجاز، وجاء ذات يوم لتوديع زملائه وطلابه في معهد الإمام ابن باديس، ثم دخل على الشيخ العربي التبسي – مدير المعهد – وأخبره الخبر، فقال له الشيخ: يا هرّاب . فانتفض الشيخ الياجوري، وانفجر كالبركان، ثم أخرج الجواز ومزقه وهو يردد في تساؤل استنكاري: أنا هراب.. أنا هراب..

إنه لينطبق على الشيخ الياجوري ما أوصى به حكيم صديقا له:

فكن رجلا رجله في الثّرى  ***  وهامة همّته في الثريا.

مقالات ذات صلة