لله درّكم يا أسود فلسطين
في زمن الهزائم والنكسات والتفريط في المقدّسات وتنكيس الرايات، واعتكاف الجيوش العربيّة والإسلاميّة في الثكنات وتخصّصها في الاستعراضات وأداء التحيات، وخوض بعضها معاركَ خاطئة هي في النهاية لصالح المتربّصين بأمة خاتم الرسالات، وفي أيام بلغت فيها قلوب المسلمين الحناجر، وهم يرون مسرى حبيبهم المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلّم- يدنّسه شرذمة من اليهود، أمكنهم شراء بعض الذّمم والمضي قدما في تطبيق برتوكولات التلمود، وهم يظنّون أنّهم قد أحكموا على الأمّة القيود؛ فإذا بهم يفاجَؤون بشباب يثِبون كالأسود، ويعلنون انتفاضة ثالثة أرعبت اليهود، وتخطّى صداها كلّ الحدود؛ إنّها انتفاضة السّكاكين، التي خفقت لها قلوب المسلمين، ولهجت ألسنتهم بالدّعاء لشبابها المجاهدين، وتقطّعت لها قلوب المستوطنين وجنود الصهاينة المعتدين.
إنّها انتفاضة أصحاب الأرواح الطّاهرة والأيدي المتوضئة، والجباه التي لا تركع إلا لله، والهمم التي يعلم أصحابها جيدا أنّ تطهير الأرض المقدّسة من دنس اليهود لن يمرّ عبر المفاوضات العبثية، وإنّما عبر رفع راية الجهاد التي يراد لها أن تُنكّس وتُستبدل برايات خادعة خاطئة.
نُخب اليمين الصهيوني، تعبّر عن ذعرها بمحاولة تسويق فزّاعة أن هذه الانتفاضة هي جزءٌ من حرب الإسلام على الغرب وأنّ “إسرائيل” هي من يقف في وجهها مدافعة عن مصالح أمريكا وأوروبا.
الصّهاينة الآن ومع توسّع انتفاضة السكاكين، وتطوّرها إلى استعمال وسائل أخرى، أصبحوا يتوقّعون الأسوأ، وهم يرون أنّ كل الجبهات الداخلية قد تحوّلت إلى ساحات مواجهة، بعد أن حلّت عمليات إطلاق النار محلّ الطعن بالسكاكين، ولم يعد لهم من خيار سوى التّراجع خطوات إلى الوراء؛ ففي استطلاع إسرائيلي حديث، تبيّن أن 70 % من اليهود في “إسرائيل” أصبحوا بعد ثورة السّكاكين يؤيّدون الانسحاب من القدس الشرقية، أما نُخب اليمين الصهيوني، فإنّها لم تجد من وسيلة للتّعبير عن ذعرها سوى محاولة تسويق فزّاعة أن هذه الانتفاضة هي جزءٌ من حرب الإسلام على الغرب وأنّ “إسرائيل” هي من يقف في وجهها مدافعة عن مصالح أمريكا وأوروبا، بل قد ذهب الكاتب الصهيوني “أريبل سيغل” إلى حدّ القول بأن ما يحدث في القدس هو مقدمة لحربٍ عالمية ثالثة بين الإسلام والغرب، تلعب إسرائيل رأس الحربة فيها.
إنّه لم يعد أمام الأمة الإسلامية، ممثلة في شعوبها وإعلامها الحرّ، من خيار سوى أن تصطفّ خلف هذه الانتفاضة المباركة، وتسعى للضّغط على حكام العرب عموما، وعلى مدمني “التّنسيق الأمني” والمفاوضات العبثيّة ومقدّسي الاتفاقيات المحنطّة، حتى لا يتدّخلوا لإجهاض هذه الهبّة الشعبية الشجاعة، التي تتطلّع الأمة كلها لأن تكون بداية عهد جديد ينسيها عهد النّكسات والخيبات.