رياضة

لماذا صفر الجمهور على نشيد “قسما”!

حفيظ دراجي
  • 56159
  • 0

لم يتفاجأ المتابعون للمباراة الاحتفالية التي احتضنها ملعب 5 جويلية بتلك الحفاوة ومشاعر الحب والتقدير التي أظهرها الجزائريون تجاه أبناء شعبنا الفلسطيني، ولم يتفاجؤوا لذلك الحضور الجماهيري الكبير الذي عبر من خلاله أبناؤنا عن تعلقهم بالقضية الفلسطينية وتعاطفهم مع الشعب الفلسطيني الصامد والمكافح من أجل الحرية، لكن الكثير من المتابعين أيضا لم يجدوا تفسيرا واحدا لتلك الصافرات التي أطلقها بعض الحضور لحظة عزف نشيد “قسما”!

صحيح أن الكثير من الحاضرين شجعوا المنتخب الفلسطيني تعاطفا معه، وهو أمر عادي وطبيعي في مباراة ودية استعراضية، ووقفوا وقفة احترام وتقدير عند عزف النشيد الفلسطيني، لكنهم لم يكونوا بحاجة إلى التصفير أثناء عزف النشيد الوطني الجزائري لأنه يرمز بدوره لتضحيات شعب عظيم يعرف معنى الاحتلال والاستقلال ومعنى الكفاح من أجل التحرّر، كما أن الجزائر في تلك المباراة لم تلعب أمام منافس غريب بل لعبت أمام الجزائر، ونشيدها المقدس هو أحد رموز سيادتها، وهو يفرض احترامه على القريب قبل الغريب!

من صفر أثناء عزف النشيد الوطني حبا في فلسطين فيجب أن يعلم بأن قلوب الجزائريين تسع جميع الأحرار والثوار، وتسع أبناء شعبنا الفلسطيني قبل كل الشعوب، ويجب أن يعلم بأن القلب الجزائري بإمكانه أن يحب وطنين في ذات الوقت، يحب الجزائر وفلسطين بنفس القدر، وبأن تعلقنا بفلسطين لا يختلف عن تعلقنا بالجزائر، ولن يكون على حساب أي منهما!

من صفّر أثناء عزف النشيد تعبيرا عن غضبه وعدم رضاه على أوضاعه الاجتماعية عليه أن يعلم أن الحدث كان عرسا تضامنيا وليس مناسبة للاحتجاج وإبداء التذمر، ويجب أن يدرك بأن الظرف لم يكن مناسبا، وكان بإمكانه أن يكتم غيضه وغضبه إلى حين لأن الفلسطينيين ذاتهم يعشقون نشيد “قسما” ويتغنون به مثلما يتغنون بنشيدهم “فدائي”.  

أما من صفّر بصفة عفوية ودون وعي فيجب أن يعلم بأنه قام بتصرّف لا يليق بأبناء الجزائر لأن نشيد “قسما” هو أحد رموز وثوابت هذا الوطن، وهو الذي اجتمع تحت لوائه الشهداء والمجاهدون، وهو الذي يجمعنا اليوم وغدا، ويبكينا كلنا عند عزفه اعتزازا وافتخارا.

لقد حاول بعض المحللين تفسير هكذا تصرف في مثل هكذا مناسبات، ومنهم من انتقده ومنهم من تفهمه وحاول إعطاءه تفسيرات نفسية واجتماعية، لكن الأكيد أن التصفير لحظة عزف النشيد الوطني الجزائري لم يكن الأول من نوعه، ولن ينقص شيئا من تعلق أبنائنا بوطنهم مهما كانت الظروف ومهما كانت الاختلافات والانتقادات ومهما بلغ تقصيرنا في حق بعضنا وحق وطننا!   

أما احترامنا للنشيد الفلسطيني وتشجيعنا للمنتخب الفلسطيني فلا يمكن أن يكون على حساب النشيد الوطني الجزائري ولا على حساب المنتخب الجزائري، لأن الذي يحب فلسطين ويحترم تضحيات شعبها لابد أن يحترم بلده الجزائر وتضحيات رجالها ونسائها أيضا، ولابد أن يدرك بأن احترام رموز الغير يبدا من احترام رموزه!

رغم كل هذا، سنبقى نحتفظ في هذه المناسبة بذلك الإقبال الكبير والتجاوب الجماهيري العفوي الفريد من نوعه مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني المكافح الذي نستلهم من نضالاته وثباته وصبره، ونتعلم منه كل معاني التضحية من أجل الوطن.

مقالات ذات صلة