الرأي

لماذا نُضَيّق على أنفسنا؟

محمد سليم قلالة
  • 2273
  • 9

لماذا نُضَيّق على أنفسنا في البناء وفي الطرقات وفي الإدارات وفي برامج التعليم، وأخيرا حتى في السياسة؟

 ـ في البناء رغم أن بلادنا شاسعة، مازلنا نبحث ونُصر على البقاء في ضيق العاصمة، وضيق المدن الأخرى الكبرى، نُشيّد سكنات على ضفاف الوديان وفوق التربة المنزلقة، وحيث لا نجد متسعا لمكان نركن فيه سيارة أو نبني مساحة لعب للأطفال، ونُعلي العمارات حتى كدنا نمنع عن الناس ما يكفيهم من أكسجين؟ بماذا سيصفنا السويسريون وهم أقل منا مساحة بستين مرة (ربع عدد سكان الجزائر تقريبا) ولا نشك أنهم يعرفون الضيق في مساكنهم وطرقاتهم؟ وماذا تراهم يقول عنا الفرنسيون وهم أقل منا مساحة بأربعة مرات وبعدد سكان هو ضعفنا تقريبا ولا تجدهم يعيشون الضيق الذي نعيشه في كل شيء؟ وماذا يقول عنا الصينيون وهم الذين يفوق عددهم المليار وثلاثمائة ألف نسمة ولا تزيد مساحة بلدهم عن مساحة الجزائر بأربع مرات… ؟

ـ  في الطرقات، رغم الملايير من الدولارات التي صُرفت، مازالت مسالكنا ضيقة ومخططاتنا العمرانية لا تتبنى سوى أضيق اتساع للطرقات بحجة نقص العقار. ومازالت أرصفتنا تقاس بالسنتيمترات بدل الأمتار، وكأننا نعيش في جزيرة ضيقة لا نجد إلى أين نتجه.

ـ في الإدارات مازالت الآجال الطويلة تُنغص على الناس حياتهم وتجعل صدورهم تضيق إلى حد الانفجار، ومازال الكم الهائل من التعقيدات الإدارية يمنعهم من أن يستمتعوا بيومهم كباقي الناس، ومازالت عبارات مثل ضيق الوقت، وضيق المكان تصم الآذان وتهددهم في كل مكان، من المستشفيات إلى مكاتب مصالح الإدارات المركزية.

ـ  أما في التعليم فلا حديث إلا عن الضيق، الوقت ضيق للبرامج الطويلة،  والأقسام ضيقة لبرمجة الدراسة في متسع من الوقت وتقليل عدد التلاميذ، والمناصب المالية ضيقة لتوفير المزيد من الأساتذة والمساعدين الإداريين،  ومساحات المؤسسات ضيقة لبناء ملاعب متسعة، ناهيك عن مساكن للمعلمين ومكتبات ومخابر حقيقية..

هل تعرفون لماذا؟ لأن الرؤية السياسية ضيقة، والهِمّة ضيقة، والقدرة على التفكير الواسع غائبة.. أليس من الغريب أن تبقى أنفاس الجزائريين معلقة حتى في شأن استحقاقات سياسية أصبحت عادية بالنسبة لكثير من البلدان دون تجربتنا في هذا المجال السياسي؟ أليس من الغريب أن يمتد التضييق في الوقت إلى آخر لحظة في المجال الذي ينبغي أن يكون هو عنوان الأمل والإرادة والحرية أي المجال السياسي؟ هل من الطبيعي أن يمتد الضيق إلى هذا المستوى؟

هل من الطبيعي أن يبقى التضييق على المجال السياسي إلى هذا الحد؟ وهل يٌنتظر ممن ليست لديه القدرة على فتح الأفق واسعا في هذا المجال أن يستطيع ذلك مستقبلا في البناء والطرقات والإدارة والتعليم؟

أحلم أن يكون ذلك ولي أمل أن يكون ذلك، ولعله سيتجلى قريبا.

مقالات ذات صلة