لماذا نُلبس أعيادنا السواد؟
لم تجد غالبية الصحف الجزائرية في أعدادها لنهار أمس، وهي تعود بعد عطلة عيد الأضحى المبارك، من أخبار تُعيّد بها على قرائها، غير نحر الناس لبعضهم البعض، موازاة مع عيد النحر الأكبر، وبدلا من أن تقدم للقراء صور التضامن، التي من المفروض أن تطبع أعيادنا، قدّمت صور جلد الموالين لإخوانهم بكل الطرق المعنوية والجسدية التي لا تخطر على بال أحد، حتى يُخيّل لزائر الجزائر لأول مرة في يوم العيد، بأن البلد في حداد أو أنه على أعتاب حرب، بسبب غلق التجار لمحلاتهم، وتحيّن بعض المواطنين لفرصة ذبح غيرهم ماديا ومعنويا من الوريد إلى الوريد، وتفشل الدولة كعادتها في تسيير الأعياد الوطنية والدينية، وهي في أحسن الأحوال تمنح لبقايا العمال أياما للراحة، وهي تعلم بأن كل الأشياء الجميلة تدخل في راحة، وتفسح المجال للممارسات الشيطانية التي تجعل من الذبح والسلخ وتقطيع اللحوم وظيفة، ومن الجرائم البشعة عنوانا لأيام العيد المبارك، الذي سنّه الله بسبب نجاة سيدنا إسماعيل من سكين الذبح، فقلبنا الرؤيا وقلبنا السنّة، فتهاطلت الجرائم في عيد الأضحى كما هو حالنا في بقية الأعياد.
وبالرغم من فضائل الأعياد التي يمكن لأي مسلم أن يطلع عليها، من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، إلا أننا نجد أنفسنا مجبرين على أن نولي وجوهنا شطر ما يحدث في بقاع العالم، بمناسبة الأعياد، حيث يخترع غيرنا “بابانويل” لأجل أن يُفرحوا أبناءهم وتساهم الحكومات والشعوب في كسر الأسعار، وتجعل من عيد وضعي رمزاً للتآخي، وللأسف فإن الجزائريين الذين يسافرون إلى بقاع العالم “للتمتع” بأعياد العالم يفوق عدد الجزائريين الذين يتمتعون بأعيادنا الدينية، التي تبدأ بالرعب بفواتيرها المادية الضخمة، وتنتهي بفواتيرها المعنوية الضخمة، إلى درجة أن البعض صار يتوجس خيفة كلما هلّت الشهور الهجرية المقدسة، واقتربت الأعياد الدينية التي جعلها الله هدية لعباده، بعد أدائهم للفرائض من صيام وصلاة وحج وزكاة فحوّلوها إلى قنابل انفجرت فيهم.
عندما تعجز الأمة عن التمتع بأعيادها وبأفراحها وتٌلبسها سوادا قرأه الجزائريون نهار أمس في صحفهم، عبر هلاك أطفال أبرياء في حفر بورشة أغمض مسؤولو وهران أعينهم عنها، ونحر شاب شقيقه في قسنطينة كما تنحر الشاة، ويسخر التجار من تعليمات وأوامر الحكومة، فإننا بذلك نمنح الفرصة للصحف العالمية مثل “تشارلي إيبدو” وغيرها لأن تجرّنا إلى عالم السخرية والكاريكاتير، فقد كانت أعياد المسلمين البهيجة، هي أحلى الفرص لجر الناس من كل الأديان أفواجا إلى دين الله الحنيف، وصارت أهون الفرص لأجل تحويل المسلمين إلى مسرح للسخرية يتفرج عليهم العالم، وإذا كان ما يحدث من فتن في العراق وفي سوريا وفي مصر بين الإخوة قد زلزل الأمة، فإن ما يقوم به المجتمع والأفراد دليل على أن الأمة ابتعدت عن دينها منذ أن عقدته وحوّلته إلى فلسفة يخوض فيها كل الناس.