-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لم ينته بعد دور القوة الخشنة!

لم ينته بعد دور القوة الخشنة!

بعد أن عاث الغرب في العالم فسادا وظُلما وعُدوانا ضد الشعوب المستضعَفَة في مختلف القارات قرونا عدة، بدأ يروِّج في العقدين الأخيرين لمفهوم القوة المرنة أو الناعمة، وبأنها ستتفوّق نهائيا على القوة الخشنة أو الصلبة، وأن الصراعات في القرن الحادي والعشرين ستكون بالوسائل اللينة أكثر منها بقوة السلاح والضغط الاقتصادي والحصار المادي بجميع أنواعه…

 وجرى تنظيرٌ واسع في هذا الاتجاه خاصة بين بعض علمائه على رأسهم الأمريكي (جوزيف ناي). وبدأ الترويج لهذا التوجُّه باعتبار أن أي استثمار في القوة الخشنة إنما هو بلا جدوى وفيه هدرٌ للإمكانات وبلا أفق مستقبلي. ونجحت قوى الغرب الليبرالي في خلق اضطرابات عدة في العالم لصالحها عبر هذه القوة الناعمة الجديدة. جرى الترويج لنمط الحياة السائد لديها على حساب باقي الحضارات العريقة: الصينية، الإسلامية، الروسية، الإفريقية، اللاتينية… وتم تحريك مناطق بأكملها على هذا الأساس، فكانت الثورات الملوَّنة وما حملت من ممارسات غريبة عن مجتمعاتنا (مثلية، إلحاد، تحطيم الأسرة، كسر التقاليد المحلية، الربيع العربي، الأوكراني، هيمنة الشبكات… الخ). واقترب الغرب من الاعتقاد أنه يستطيع تعميم منهجه على أجزاء واسعة من العالم من دون حاجة إلى استخدام القوة الخشنة من الآن فصاعدا. وجاء الانسحاب الأمريكي من العراق، ثم من أفغانستان، والانسحاب الفرنسي من مالي في هذا الاتجاه. وتعزز ذلك بهيمنة غير مسبوقة على العقول عبر شبكات التواصل الاجتماعي وخوارزميات الذكاء الاصطناعي… وبدا وكأن الغرب سَيُهيمن من خلال نموذجه في الحياة، ونخبه، وإعلامه، وقيمه الليبرالية، وتجربته السياسية، وغيرها من الوسائل المرنة على بقية العالم، حتى انفجرت الحرب في أوكرانيا، وأشهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القوة الخشنة في مواجهة محاولة محاصرته عبر نموذج أوكرانيا الليبرالي الملوَّن بالبرتقالي وزعزعته من الداخل، فبات كل شيء قابلا للمراجعة ولإعادة الحساب.
لقد حدث تغيُّرٍ مفاجئ في قواعد الصراع.. لم ينته بعد دور القوة الخشنة إذن، بل عاد إلى الواجهة! وهذه المرة مع قوة تفوق الغربَ تطورا وقدرة. صواريخ فرط صوتية روسية لم يجرِّبها بعد، وأخرى نووية عابرة للقارات يمكن أن تنطلق من أي موقع تحت البحر، وسيطرة كبيرة على سوق الطاقة واكتفاء ذاتي غذائي واسع… الخ، وحلفاء يملكون ذات القوة وأكثر: الصين، كوريا الشمالية، إيران، مستعدون لمواجهة تحدّيه بتحد أكبر، ونتج عن كل ذلك واقعٌ جديد علينا جميعا قراءته:
ليس بعد اليوم تفريطٌ في أي شكل من أشكال القوة إن كانت مرنة أو خشنة. لم يكن الغرب ليتردد في الهجوم المباشر على روسيا لو كانت عسكريا ضعيفة. لم يترك أي نوع من الضغط عليها إلا استخدمه فيما عُرف بالعقوبات.. بل إن دولا مثل ألمانيا والسويد فرَّطت في حيادهما من أجل دعم الحرب بالمال والسلاح.. ودول هي الآن مستهدفة تسارع لتعزيز قوتها العسكرية.. ليس في العلاقات الدولية ما يُسمى بنهاية الاعتماد على القوة الخشنة.. كلنا معرضون للتهديد وعلينا أن نحفظ الدرس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!