العالم
إخوة يتقاتلون وداعش تسيطر وغرب يتربّص

ليبيا.. من الثورة إلى النكبة

الشروق أونلاين
  • 6591
  • 0
ح.م

5 سنوات، بالضبط، تمر على خروج الليبيين إلى الشارع، للمطالبة برأس معمر القذافي، وهو الذي تحقق لهم بعد دخول الحلف الأطلسي أرض المعركة، لكن الذي تحقق كذلك، نبوءة القذافي، من أن قوافل الإرهابيين ستشد الرحال إلى ليبيا، ومعهم أطماع الغرب الذي يبحث عن موارد طبيعية هنالك، وبين هذين الخطرين، لا تزال الأرض الليبية تشهد قتالا عنيفا بين أبناء الوطن الواحد.

 

بين جهنّم “داعش” وجحيم “الغرب”

النكبة الكبرى تصيب ليبيا بعد عهد الجماهيرية 

إذا كان الأمل في أن تسترجع سوريا واليمن وحتى العراق عافيتهم مازال قائما، رغم صعوبة تحقيق ذلك، فإن الليبيين بعد أن بدأت طبول الحرب تقرع وبعنف على أرضهم وعلى مسامعهم، صاروا مقتنعين بأن حالتهم قد وصلت مرحلة الميؤوس منها، ويعود ذلك بالأساس إلى التكوين العشائري للبلاد وسقوط أنهار من الدماء على مدار ست سنوات، مع أن البلاد في تاريخها لم تعرف أي فتن طائفية أو دينية بسبب وحدة الشعب من الناحية العقائدية، وواضح أن الغرب عجز عن زرع الفتنة في ليبيا على طريقة ما فعله في العراق وفي لبنان وسوريا، فأتى بها من الخارج، وهو حاليا بصدد تهيئة العديد من السيناريوهات لأجل التدخل في بلد من الصعب أن يقسّم إلى دويلات بشعارات أعراق أو مذاهب ولكن بالمصالح المادية فقط والتي أساسها شساعة البلاد وخيراتها النفطية  .

فقد عرفت ليبيا من عهد المملكة إلى عهد الجماهيرية استقرارا، ميزها عن كل البلاد العربية، وجعلها الزعيم الراحل معمر القذافي بديكتاتوريته بمنأى عن مختلف الجماعات التي ظهرت لدى جيرانها خاصة شرقا، من إخوان وسلفين ووهابيين وشيعة، إلى أن أعلنت ثراءها بخامات أرضها، فأسالت لعاب الكثير من البلدان بما فيها الأتراك والفرنسيون الذين شاركوا بقوة في عملية إسقاط الجماهيرية بحثا عن قطعة من الكعكة الكبرى، ثم تم زرع تنظيم الدولة في قلب ليبيا وأحيط التنظيم بهالة فيها الكثير من الخيال، من خلال صور وفيديوهات تبيّن بأن داعش في ليبيا هي إمبراطورية قائمة بذاتها من المال والقوة، وبعد أن عاشت هذه الإمبراطورية في خيال الناس، باشر الغرب الإشهار لحرب واجبة قبل أن تحتل داعش ليبيا، وبدأ دق الطبول الحربية، أمام صمت مطبق لدول الجوار التي ستكون المتأثر الأول في حال اندلاع الحرب في ليبيا، خاصة تونس التي ستدفع الثمن غاليا، وتكمن شساعة نسبة المخاطر في كون ليبيا بلاد في حجم قارة وغالبية حدودها في الصحراء، حيث سيكون من السهل دخول مستنقع الحرب من كل التنظيمات الإرهابية الناشطة من الساحل الإفريقي، وسيكون في المقابل من الصعب منع دخول هؤلاء إلى البلدان المجاورة ومنها على وجه الخصوص مصر شرقا وتونس والجزائر غربا  .

ولن يكون من مصير لليبيا سوى المصير العراقي، أي تعميم الفوضى على البلاد بطريقة عروشية وقبلية، تردّها إلى سنوات ما قبل مملكة السنوسي، وستجر فوضاها التي قد تساهم فيها العديد من الدول، إلى فوضى في دول الجوار التي تبدو مغلوبة على أمرها لأن أمريكا أعلنت الحرب في عدد من الدول، ولم يكن للدول المجاورة للبلاد المستهدفة سوى الصمت، ومنها من نجت من نارها بدخولها المستنقع، كما فعلت إيران في الحرب على العراق، أما البقية فقد استسلمت ونالت من شظايا الحرب كما حدث للبنان في الحرب المعلنة حاليا بين أمريكا وروسيا على الأراضي السورية بين مدعي ضرورة إسقاط الديكتاتورية وزاعم محاربة تنظيم الدولة، وفي كل الأحوال لا وجود لمنتصر وإنما لخاسر واحد وهو سوريا، والتجربة ستنقل إلى ليبيا بصورها الدامية، وأكثر المتفائلين لا يرى من مصير سوى الحرب في هذه البلاد، من خلال التدخل الأجنبي الذي وضع الليبيين أمام خيارين، أحلاهما حرب، فإما أن تستسلم ليبيا لحرب قد لا تنتهي، على مقاس ما حدث في العراق وإما أن تستسلم لتنظيم الدولة وتغرق في الفوضى على مقاس ما حدث في أفغانستان أي إما الحرب أو الحرب؟

 

الإعلامي الليبي علي الكاسح لـ”الشروق”:

ليبيا دفعت ثمن مواقفها القومية والحل بكف التدخل الأجنبي

قال الإعلامي الليبي علي الكاسح، إن ما عاشته ليبيا من أحداث، شارك فيها القريب والغريب وحرّض عليها المشايخ، ودُقت لها أجراس الكنائس، وحوّل ليبيا من واحة أمن إلى منطقة خراب يتعدى خطرها محيطها الجغرافي، هو نتيجة حتمية لدفع ثمن مواقف قومية عربية، كثيرا ما نادت بها ليبيا خلال حكم العقيد الراحل معمر القذافي  .

ويشرح الكاسح، في حديثه لـ”الشروق”، العوامل التي آلت بليبيا إلى هذا الحال، بالقول “ليبيا التي طردت القواعد العسكرية الغربية في السبعينات ودعمت المقاومة الفلسطينية، وتصدّت لهيمنة الخليج العربي، وجهرت بمواقفها، وأجبرت المستعمِر الايطالي على الاعتذار، دخلت في عداءٍ مع الغرب وبعض العرب، فكانت ضمن أجندة ما يُسمى بالربيع العربي، بعد أن بدأ بحرق شخص لنفسه في تونس ثم امتدّ إلى مصر لتقع ليبيا بين الجانبين، ويخرج بعض الشباب في مطالب لإصلاح النظام كانت معقولة، قبل أن يتسرّب الإرهابيون ويتدخل الخارج ليرتفع سقف المطالب، لإسقاط النظام والهجوم على المعسكرات، وبعدها النتيجة الحتمية هي التدخل الأجنبي الغربي بطلب من الجامعة العربية بضغطٍ قطري” وخلص يؤكد: “بعدها سقط النظام، ومعه انهارت المنظومة الأمنية في ليبيا، بعد أن سخّر الخليج ترسانته الإعلامية لذلك“.

 ما تعيشه ليبيا اليوم، يقول الكاسح “هو حالة خراب ودمار، بعد أن تبين أن من يحكم ليبيا ليس له مشروعٌ وطني، وأول ما فعلوه هو إصدار قرار العزل السياسي الذي مسّ نصف مليون ليبي، من أصل 6 ملايين نسمة   .

ويرى علي الكاسح، أن الوضع في ليبيا بات مصدر خطر، ويزيده التدخل المرتقب تعفنا، لأن الليبيين حساسون من التدخل الأجنبي، كما أن المتحكمين في طرابلس الآن، والذين وصلوا إلى الكرسي بفضل الأجنبي، تراهم يصفون كل من ينادي بالتدخل الخارجي بـ”الخائن” و”العميل”، وهو من المتناقضات في ليبيا الجديدة.

وعن الحل بالنسبة إليه، فيقرنه الكاسح بضرورة كف التدخل الخارجي، خاصة من تركيا وقطر والإمارات، وتكفل الجزائر ومصر بالحل من خلال دعم الليبيين والقبائل الليبية وأنصار النظام السابق، وفتح حوار مجتمعي، لا يُقصى منه أحد، تنبثق عنه حكومة تمثل الليبيين جميعا، وهم من يتكفلون بالدفاع عنها، مستبعدا أن يتمكن السراج من الحكم في طرابلس إلا بمساعدة قوات أجنبية.

 

القيادي في “حزب الوطن” الليبي عاشور الدرويش لـ”الشروق”:

“الثورة أزاحت طاغية واليوم نتعرّض لمؤامرة”

كيف تقيمون الوضع العام بليبيا بعد 5 سنوات مما تسمى الثورة؟

في الحقيقة لا يمكن تقييم مرحلة واحدة من تاريخ الوطن، التقييم وحتى يكون منصفا علينا أن نقيم كل شيء، يجب تقييم عقود من تاريخ هذه الأمة، دون أن ننسى التأثيرات التي مرّت على الأمة، لأن تقييم فترة واحدة منفصلة عن الأخرى، من شأنه إحداث بعض الخلل.

هنالك صراعٌ حضاري، تمر بها أمتنا، لا أقصد الأمة الليبية فقط، بل الأمة العربية والإسلامية، هذا الصراع لا يمس طرابلس أو بن غازي أو الكفرة فقط، بل مصر واليمن وسوريا والجزائر.

هذا في جانب، في الجانب الآخر ليبيا الثورة تعيش فوضى غر مسبوقة. لماذا؟

نحن نعيش مخاضا عسيرا. في الحقيقة لقد تحققت إنجازاتٌ كبيرة، أهمهما أننا أزحنا جسدا جثم على صدرونا لعقود، ونحن الآن في مرحلة مخاض سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، نسعى إلى بناء منظومة فكرية جديدة، وهي تصطدم بمنظومة الحكم البائد التي تسعى إلى العودة.

ما تحقق بعد الثورة كثيرٌ وكثير جدا، من ذلك حرية الفكر والرأي، هنالك إيجابياتٌ كثيرة تحققت لنا، وهذا في ظل محاولات خارجية لاستهداف ليبيا وسرقة ثورتها، كما نشهده حاليا، فهنالك دول وقفت إلى جانبنا، وأخرى عملت على تحطيمنا، وسندرج هذه الأخيرة في صفحات التاريخ الأسود لليبيا الحديثة.

ليبيا تعيش انفلاتا أمنيا غير مسبوق، ولعل أهم تحد هو انتشار داعش، كيف يمكن مواجهته؟

لو نراجع التصريحات الصادرة من رموز النظام السابق، نجدها ترافع لداعش، الذي كان وليد العمل الانقلابي لخليفة حفتر في بن غازي شرق البلاد. إنهم يصورون لنا داعش على أنه غول، وهو ليس كذلك، وكل هذا لإتاحة الفرصة للغرب لتنفيذ عمل عسكري، العمل العسكري الغربي الذي يجرى التحضيرُ له، هو واحد من مخططات الشرق الأوسط الكبير، وسايس بيكو 2.

ما هو المتاح لديكم الآن لمواجهة هذه التحديات؟

الحل يكون بقرارنا الداخلي، والصمود والتشاور فيما بيننا، وبالحوار الحقيقي، وليس بالحوار الوهمي، والرضوخ لحكومة وهمية أممية، الحل كذلك ملقى على أشقائنا في دول الجوار، عليهم ألا يتنصلوا من واجباتهم تجاهنا.

 

القيادي في حزب العدالة والبناء عبد المنعم جريشة لـ”الشروق”:

“للغرب أطماع كبيرة في ليبيا وهو يعمل على إجهاض الثورة”

كيف تقيم الوضع العام في ليبيا بعد خمس سنوات من الثورة؟

الأهداف التي خرج من أجلها الليبيون إلى الشارع في 17 فبراير 2011، لم تتحقق كلها، لكن تحقق جزءٌ كبير منها، أهم انجاز تحقق لنا هو إنهاء الدكتاتورية التي عمّرت لعقود، ونجح الليبيون في أن تكون لهم انتخابات حرة ونزيهة، في 2012، إذ انتخب المؤتمر الوطني العام، ثم انتخاب البرلمان، ولم نشهد حرية وديمقراطية كالتي عشناها في السنوات التي تلت الثورة.

ليبيا بها خيراتٌ طبيعية كثيرة، وبالمقابل للغرب أطماعٌ كبيرة، وكذلك أزلام النظام السابق، لا يريدون النجاح لثورتنا، ويعملون الآن على إيقافها وعزلها، وهو ما تجلى في خروج المجرم خليفة حفتر في 21 ماي 2014 لينقلب على الشرعية، وهو الآن عنوانٌ للدمار والعنف في بنغازي.

كيف يمكن مواجهة التحديات الخطيرة الآن، خاصة التدخل الأجنبي وتنظيم داعش؟

عندما يقول الغرب إن المنطقة الغربية تشهد سيطرة لداعش، فهذا كذبٌ وعارٍ عن الصحة، من يدّعي هذا الأمر عليه زيارة ليبيا، حتى الأمين العام للأمم المتحدة بن كيمون، زار طرابلس، وقال إنها مدينة هادئة، مع التأكيد أن هنالك جيوبا لتنظيمات إرهابية في صبراتة وسرت.

أنت تتحدث عن منطقة شرقية، وأخرى غربية، أليس هذا تقسيما قبليا من نتائج الثورة؟

أنا لم أتحدث أبدا من منطق قبلي، وأنا ضدها، الليبيون سالت دماؤهم في ثورة 17 فيفري، ولم نكن نفرّق بين أبناء الوطن الواحد، لكن هذا لا يمنع من نقول إن هنالك حرباً مصلحية، وهنالك شخصيات جعلت من ليبيا هدفها الثاني، ومصلحتهم الشخصية الهدف الأول، وهذا عار ومعيب للغاية.

 

عميد جامعة سرت الأسبق عبد الهادي موسى لـ”الشروق”:

الليبيون سينتفضون قريباً وعلى الجزائر دعمهم

قال عميد جامعة سرت السابق، عبد الهادي موسى، إن ما حدث في ليبيا قبل 5 سنوات، ليس ثورة من أجل الديمقراطية بل “مؤامرة أوروبية غربية خليجية” استثمر فيها تيار الإسلام السياسي لتدمير الوطن بالكامل، والانتقام من الليبيين، والسيطرة على مقدرات ليبيا.

وتحدث الأكاديمي الليبي إلى “الشروق” عن الواقع الليبي، ووصفه بالأسوإ في بلدٍ به نحو 28 ألف سجين و3000 سجينة لدى المليشيات، وأكثر من مليوني مهجر بالخارج، ومليون ونصف مليون مهجّر بالداخل، وخيرات ليبيا تعبث بها المليشيات في الشرق والغرب التي لها ولاء للخارج.

أما عن الوضع الراهن وتشكيل الحكومة الجديدة، فقال “إنها حكومة وصاية؛ فالسراج من أب فلسطيني وأم يونانية، دعمها الغرب والأمم المتحدة حتى قبل أن يعترف بها البرلمان ويزكيها”.

ويعتقد محدثنا أنها شُكّلت لتنفيذ ثلاث مهام أساسية “الأولى تخص استدعاء التدخل الأجنبي في ليبيا، لتدمير ما لم يُدمّر بعد، والثانية بيع النفط، والثالثة عقود إعادة الإعمار”، مشيرا إلى أن “الغرب يسعى إلى تقسيم ليبيا بكل الطرق إلى عدة دويلات.

وأكد الدكتور موسى أن الشعب الليبي واعٍ بما يحاك له، وسينتفض قريبا ليعيد الحق لأصحابه وتعود ليبيا لليبيين، وعلى دول الجوار أن تدعم الشعب الليبي، وتساعده لطرد الإرهاب والمليشيات والمستعمِر الذي تجددت طموحاته في الهيمنة على مقدرات ليبيا.

وخص محدثنا بالذكر الجزائر، وقال: “الجزائر التي قارعت الاستعمار، وتحدّت الغرب تدرك ما يُخطَّط لها انطلاقا من ليبيا، وعليها دعم الشعب الليبي، لأن أمنها مرتبطٌ بأمن ليبيا، كما هي الحال بتونس، التي وفرت للأمريكان قواعد عسكرية في الجنوب، بمساعدة جماعة الإخوان المسلمين عند سيطرتهم على الحكم في هذا البلد.

وعن الخطر الذي يشكِّله تنظيم “داعش”، قال إن “داعش” موجودة في سرت، واستيطانها لا يعني أن هناك حاضنة شعبية لها، بل الأمر يتعلق بتنظيم يجرى تحريكه من طرف مخابرات غربية تستثمر في بعض المغفلين، وسكان سرت يتصدون لها في حدود الإمكانات المتاحة، ومن ذلك بروز قناصة يصطادون الدواعش يوميا.

مقالات ذات صلة