الرأي

ليلة القبض على الدب الروسي

الليلة البيضاء التي عاشها الجزائريون، بعد تحقيق التأهل التاريخي للدور الثاني من منافسة كأس العالم، على حساب زعيم القارة البيضاء، لا أحد من حقّه أن يلطخها بسواد التشاؤم، سواء بكتم فرح الأطفال والنساء، أو بإخراج ملفات البؤس التي يعيشها الجزائريون، لأن الفرح مجانيّ، وهو ليس هِبة من أحد، ولا يمكن مصادرته، فقد اجتهد بعض أبناء الجزائر في مجال حيوي، تحوّل في العقود الأخيرة إلى ثقافة واقتصاد وتكنولوجيا، ونجحوا في أن يكونوا من بين الستة عشرة منتخبا الأول في العالم، ويمكن جعل هذا الانتصار الكبير الذي ذرف بعد تحقيقه الملايين من الجزائريين الدموع، نموذجا في مجالات أخرى، لأن الذي تفوق على كوريا الجنوبية في مقابلة الكرة التي يعشقها الكوريون إلى حد الهلوسة بالنجوم ونحت تماثيلهم، وعلى روسيا التي تفوّق أهلها في هذه اللعبة عندما كان الشعب الجزائري لا يمتلك حذاء يلعب به الكرة ..

 الذي تفوق هو قادر على أن يتفوق في مجالات علمية بالخصوص، ومنظر الدب الروسي البائس مساء أمس مقبوضا عليه من طرف مجموعة من الجزائريين المجتهدين، ومنظر اللاعبين الجزائريين وهم يتبادلون الفرحة، ومنظر الشعب الجزائري الذي تحدى الليل، وخرج ليعبر عن فرحة انتصار بلاده، لا يمكن اعتباره عبثا عابرا، برغم ما فيه من مبالغة، ومن بعض الطيش الذي نتحمّل جميعا مسؤوليته.

لقد عشنا على مدار عشريتين “خبرا بائسا” تناقلته الفضائيات العربية والغربية، فكان مرادف اسم الجزائر هو دائما التفجيرات والاغتيالات، أو فضائح اقتصادية تعني نهب المال العام، وسنحت الفرصة لأن تكون الجزائر في تجمع رياضي عالمي يتابعه الملايير من البشر، فأجبرهم النقل التلفزيوني على أن يستمعوا للنشيد الوطني الجزائري، وحناجر الآلاف تردده بحماس لا يمكن مشاهدته لدى الأمريكان والفرنسيين، وتمتعوا بألوان العلم الجزائري، وهللوا لانتصار المنتخب الجزائري الذي فعلها أمام الدولة العظمى في قارة آسيا كوريا الجنوبية، وأكملها أمام الدولة العظمى في قارة أوروبا روسيا، وعندما يقترن الانتصار باسم الجزائر، فلا يهمّ إن كان في مجال لعبة، لأن المنتخبات الكروية التي تنتصر، هي بالضرورة تنتمي لبلدان قوية، أو على الأقل القادرة على أن تكون قوية في زمن قادم.

كان يمكن أن تكون الغلبة للدب الروسي، في سهرة لن ينساها الجزائريون أبدا، وكان يمكن أن تعود الطائرة باللاعبين والإعلاميين والمشجعين الجزائريين إلى أرض الوطن، ولكن ملحمة مقاومة واجتهاد، دار رحاها في كوريتيبا البرازيلية، حققت الانتصار، وتبقى مشكلتنا الأزلية، أننا لا نحسن التعامل مع الهزيمة عندما تتحقق، لأننا ندفن بعدها كل الأشياء الجميلة في مهمة البحث عن النصر، ولا نحسن التعامل مع الفوز، لأننا ننسى نقاط الظل الكثيرة، فتتحول هزيمة مشرفة إلى نكسة، وانتصار متواضع إلى ملحمة، وتلك هي المشكلة التي تولد عادة بعد وضع كروي صعب، لأن مسجل الهدف ليس بالضرورة بطلا، ومضيع الهدف ليس بالضرورة منبوذا، والعالم بجب أن يسير على القاعدة التي تمنح للمجتهد أجره.. حتى ولو خاب.

مقالات ذات صلة