مؤسسات محاربة الفساد تطلب مساعدة الجزائريين
أطلقت “الهيأة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته” استبيانا حول المشروع التمهيدي لإستراتيجية هذه الهيأة، للوقاية من الفساد ومكافحته، وهي محاولة تسعى من خلالها إلى بلورة رؤية واضحة في التعاطي مع ظاهرة الفساد، التي شلّت مؤسسات الدولة وأدخلت اقتصاد البلاد في حالة من الانهيار صعب تجاوزها.
وتسعى هيأة محاربة الفساد إلى الإطلاع على نظرة الجزائريين بشأن إستراتيجية محاربة الفساد، والسعي إلى الاستفادة من أفكارهم وخبراتهم، وذلك من خلال المحاور الخمسة التي اعتمدتها، والتي تضم مجتمعة، 17 غاية استراتيجية، وفق ما جاء في الوثيقة المطروحة على الجزائريين.
وقد تمت صياغة المحور الأول تحت عنوان “الشفافية وأخلقة الحياة العامة”، وهو موزع على خمس غايات، تتمثل الأولى في “ترقية نزاهة الموظف العمومي”، وتضم هذه الغاية التدابير المتعلقة بـ”اعتماد مدونة قواعد سلوك الموظف العمومي، واعتماد نظم للتوظيف والترقية، قائمة على الكفاءة والاستحقاق وتكافؤ الفرص، وتبني سياسة التدوير الوظيفي، وتعزيز نظم التكوين، والوقاية من تعارض المصالح وحالات التنافي”.
في حين تمثلت الغاية الثانية في “تكريس الشفافية في تسيير الشؤون العمومية”، وحثت الجزائريين على ترتيب هذه الغاية من الأقل أهمية إلى بالغ الأهمية، وكذلك بقية الغايات الأخرى في هذا المحور، والمتمثلة في “تعزيز المساءلة في تسيير الشأن العام”، و”تخفيف العبء الإداري”، كما دعت الجزائريين إلى اقتراح التدابير والأولويات، التي يرونها ضرورية ضمن هذا المحور.
الهيئة صاغت المحور الثاني تحت عنوان “مشاركة المجتمع المدني ووسائل الإعلام في مكافحة الفساد”، ويهدف هذا المحور إلى “ترقية ثقافة نبذ الفساد في المجتمع” و”تعزيز الديمقراطية التشاركية والرقابة المجتمعية على تسيير الشأن العام”، و”تفعيل دور الحركة الجمعوية في مجال الوقاية من الفساد”، و”إشراك وسائل الإعلام في الوقاية من الفساد ومكافحته”، و”تشجيع التبليغ عن الفساد”.
المحور الثالث جاء تحت عنوان “النزاهة والشفافية في القطاع الاقتصادي”، واستهدف تحقيق ثلاث غايات، تتمثل الأولى في تعزيز الشفافية والتنافسية في بيئة الأعمال، وتقوية النزاهة داخل المؤسسة الاقتصادية، ومكافحة تبييض الأموال، فيما تحدث المحور الرابع عن “دعم دور وقدرات أجهزة الرقابة والقضاء في مكافحة الفساد”، واستهدف تطوير قدرات ودور أجهزة الرقابة، ودعم دور الهيأة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته، وتعزيز استقلالية القضاء ونزاهة القضاة.
أما المحور الخامس فقد خصص لـ”التعاون الدولي واسترداد الموجودات”، وهو يسعى إلى تشجيع التعاون الدولي في مجال مكافحة الفساد، وتعزيز آليات استرداد الموجودات وتسييرها، كما طلبت “الهيأة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته” من الجزائريين، تقديم توقعاتهم وقراءتهم لفرص تحقيق النجاح في محاربة الفساد خلال السنوات الخمس المقبلة.
محاولة هيأة مكافحة الفساد الاستعانة بأفكار الجزائريين وخبراتهم في مواجهة غول الفساد، تأتي في سياق الحرب التي أعلنتها الدولة بمختلف مؤسساتها على الفساد والمفسدين، والتي بدأت كما هو معلوم، بسجن العشرات من كبار إطارات الدولة المدنيين والعسكريين، المتهمين بالفساد، ويأتي على رأسهم كل من الوزيرين الأولين السابقين، أحمد أويحيى، وعبد المالك سلال، والعشرات من الوزراء، وأبرز رجال المال والأعمال في عهد الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، وحتى الفترة التي كانت قبله.
ويؤشر لجوء “هيأة طارق كور”، إلى الاستعانة بالجزائريين في محاربة الفساد، عن قناعة لدى مختلف مؤسسات الدولة بأن مسالة محاربة الفساد، تبقى مسؤولية الجميع، بما فيهم المواطن البسيط، الذي يكون قد اصطدم يوما ما، مع فاسد أو مفسد، في حياته اليومية أو العملية، ما يرجح توفره على رؤية قد تكون فعالة في محاربة الظاهرة.
وقبل أن تلجأ “الهيأة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته”، إلى الاستعانة بالجزائريين في محاربة الفساد، كانت قد استعانت بقطاع الشؤون الدينية باعتباره أداة فعالة أيضا لكونه يعتمد على الجانب الوعظي المؤثر، وقد سبق لرئيس الهيأة طارق كور، أن التقى بوزير الشؤون الدينية والأوقاف، يوسف بلمهدي، وتباحث معه “سبل التعاون الثنائي بين المؤسستين في مجال محاربة ظاهرة الفساد”..
وقد عكست تلك الخطوة إيمانا من الطرفين بأن الجانب الردعي لوحده لا يكفي للحد من هذه الآفة، وخلص ذلك اللقاء إلى تشكيل فوج عمل مشترك برئاسة الأمينين العامين لكل من الهيأة والوزارة، لتحديد مجالات التعاون وأشكاله وإيجاد الآليات الكفيلة لتنفيذه على غرار مساهمة المنظومة الدينية في نشر ثقافة الوقاية من الفساد وإدراجها في المناهج البيداغوجية، وكذا تخصيص دورات تكوينية من تنظيم الهيأة لفائدة الأئمة وموظفي الوزارة.