الجزائر
المنصب كان في مزاد المفاوضات منذ 2017

ماذا بعد تتويج الإسلاميين برئاسة البرلمان؟

ح.م

شكّل صعود سليمان شنين، القيادي في حركة البناء الوطني إلى رئاسة الغرفة السفلى للبرلمان مفاجأة سياسيّة كبيرة، لم تكن متوقعة لدى أكثر المتفائلين بحدوث التغيير، على وقع مطالب الحراك الشعبي، في هرم المؤسسات الدستوريّة، على اعتبار أن اسم المعزول معاذ بوشارب كان ضمن “الباءات” الملاحقة في مسيرات الجمعة منذ 22 فبراير الماضي.

ذلك أنّ الوافد الجديد على عرش زيغود يوسف لم يكن مؤهلا بالمقاييس الانتخابية لتبوّء المقعد، فهو ينتمي إلى كتلة تحالف “النهضة والعدالة والبناء” بمجموع 15 نائبا فقط، ما يعني أنّ التربّع على المنصب جاء منحة سياسيّة من طرف الأغلبيّة البرلمانيّة، بغض النظر عن الجهة التي وقفت وراءها، بعد ما توجهت الأنظار قبل ساعات من تزكية شنين إلى مرشحين كبار داخل جبهة التحرير الوطني على وجه الخصوص، وهو ما يطرح أسئلة مشروعة وموضوعيّة حول الخلفيات الفعلية من وراء هذا الخيار الاضطراري؟

إذا عدنا قليلاً إلى الوراء، سنجد أن موقع الرجل الرابع في الدولة كان، برأي مراقبين، معروضًا في مزاد المفاوضات والتفاهمات مع قوى المعارضة منذ 2017، في إطار استدراجها للمشاركة في الحكومة، إثر العزوف الجماعي لأحزاب المعارضة الفاعلة عن التورّط في تحمّل تبعات الأزمة المالية التي حاصرت الجزائر منذ نهاية 2014 على وقع انهيار أسعار النفط، وكذلك عدم وضوح آفاق الانتخابات الرئاسية لعام 2019 بالنسبة إليها في ذلك الوقت.

وقد تسرّبت معلومات من مصادر مطلعة قبيل تشريعيات 2017 أن السلطة جاهزة للتنازل عن رئاسة الغرفة السفلى لصالح تحالف حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير، بل تداولت الصالونات حينها متصدر قائمة العاصمة عبد المجيد مناصرة لخلافة العربي ولد خليفة، في حال القبول بدخول الحكومة، لكن الخيار سقط في الماء بعد فشل المشاورات التي أجراها عبد المالك سلال مع عبد الرزاق مقري، بفعل رفض مجلس شورى الحزب للعرض بحجة تزوير الانتخابات.

خيار اضطراري بحسابات ظرفيّة لتفكيك الوضع

يبدو اليوم، حسب المتتبعين، أن السلطة عاودت نفس السيناريو مع شريك حزبي أقل وزنًا من الناحية الشعبية والسياسية، ولكن في ظروف أكثر تعقيدا وتأزمًا، ما فرض اللجوء إلى تتويج الإسلاميين لأول مرة في تاريخ الجزائر برئاسة البرلمان على حساب الموالاة التي تحوز الأغلبية في التشكيلة النيابيّة.

ويعتقد مراقبون أن السلطة لم تكن مخيّرة في التنازل الطوعي عن رئاسة البرلمان لصالح خصومها الأكثر اعتدالاً، في ظلّ احتراق أوراق الموالاة التي وجد قادتها أنفسهم في سجن الحرّاش بتهم الفساد، فصار من المستفزّ شعبيّا في عزّ الحراك المراهنة على أسماء قد يثور حولها اللغط السياسي، ما يزيد من متاعب سلطة تبحث عن بناء جسور للثقة والتقارب مع الشارع.

ولا يغفل المحلّلون كذلك على أن السلطة كانت مجبرة في السياق القائم على تجريد الأغلبية من المنصب والتضحية بحقها السياسي، عبر تقديم منصب عديم التأثير في القرار السياسي كعربون حسن نيّة، لأجل احتواء المعارضة وجزء من قوى الحراك على الأقل، بهدف التمهيد لجرّها نحو القبول بالدخول في حوار موسّع حول استئناف المسار الانتخابي المعطل.

ومع محدوديّة تأثير رئاسة البرلمان في صناعة القرار القانوني على مستوى السلطة التشريعيّة، فإنّ الاعتبار السياسي للمنصب يبقى مهمّا في طمأنة الرأي العام على توجهات السلطة تجاه المستقبل، خصوصًا أنّه من المؤكد عرض مشروع قانون اللجنة المستقلة للانتخابات على نواب الشعب قبل الاستحقاق الرئاسي المؤجل.

وبالتالي، فإنّ خلفيّة السلطة واضحة في تخفيف العبء عن نفسها من ضغوطات المرحلة، عن طريق التبرّع بمنصب ثانوي في هيكل الحكم، سيكون هديّة مؤقتة، وربّما مسمومة، لمدة قد لا تتجاوز سنة واحدة على الأكثر، لأنّ المرجّح هو حلّ المجالس المنتخبة مركزيا ومحليّا بعد استعادة الشرعية لرئاسة الجمهورية، لكنّه في الوقت نفسه يعدّ طعمًا سياسيّا لاصطياد المعارضة وتهدئة خواطر قطاع معتبر من الحراك، مثلما يؤشر ظاهريّا على توجهها نحو ترسيم التغيير الفعلي باستعمال رموز الحراك ذاتها في مواقع المسؤولية العليا.

لماذا “حركة البناء” وليس حمس أو جبهة العدالة..؟

لكن التعيين بالطريقة التي عرفها البرلمان الأربعاء الماضي قد يثير مسألتين للنقاش على الهامش، أولاهما: بأيّ حق تدخلت السلطة السياسية – حسب مراقبين – على افتراض أنها فعلت ذلك، في ترتيب رئاسة البرلمان؟ والثانية: لماذا جاء البديل من الإسلاميين ومن حركة البناء الوطني دون غيرها؟

وجب التذكير برأي ملاحظين، بالحقيقة الساطعة، وهي أن البرلمان الحالي، وفق تقييم الرأي العام، مطعون في شرعيته الانتخابية، فهو مجلس الأمر الواقع وليس هيئة تمثيلية للشعب، تمّ توزيع المقاعد النيابيّة فيه من قبل النظام البائد، وعليه، فإنّ التعامل معه اليوم يندرج ضمن إكراهات إدارة الدولة لتفادي الفراغ المؤسساتي، ومن هنا يصبح التوافق بين الكتل البرلمانيّة، مهما كانت دوافعه ومصادره، على اختيار مرشّح مقبول شعبيّا أمرا محمودا مبدئيّا، دون الخوض في ما وراءه من نيّات وحسابات حتى تثبت في الواقع.

أمّا عن اصطفاء الإسلاميين و”البناء” منهم تحديدا بهذا التكليف التشريفي، فيعتقد المراقبون أن السلطة تحضّر لتعويض الوزير الأول الحالي نور الدين بدوي بشخصيّة محسوبة على التيّار الوطني الديمقراطي، وهو ما اقتضى، حسْبهم، تقاسم المواقع بين أطياف الساحة السياسيّة.

ولأنّ السلطة تفضل بمنطق الولاء أو الثقة في المواقف والشراكة السياسية، التعامل مع أحزاب وقيادات موثوقة الجانب لديها، فإنه لم يكن من المتوقّع المغامرة، بمثل هذا الخيار في ظروف متحرّكة وحساسة، مع باقي التشكيلات الإسلامية الأخرى الوازنة والمعروفة في المشهد الجزائري، وفق تحليل المتابعين.

مقالات ذات صلة