-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماذا تبقَّى من الفرنسية في عالم البحث؟

ماذا تبقَّى من الفرنسية في عالم البحث؟

تأسست المجلة الكندية “العلم في كيبيك” Québec Science، المختصة في نشر العلوم للعموم باللغة الفرنسية، عام 1962، وهي تُصدِر 8 أعداد في السنة. وقد قدمت رئيسة تحريرها ماري لومبير شان M. L. Chan افتتاحية عددها الصادر هذا الأسبوع تحت عنوان “كيف نحافظ على ما تبقى من الفرنسية في عالم البحث؟” تأسَّفت فيها عن وضع اللغة الفرنسية في مجال النشر العلمي. دعنا نستعرض أبرز ما جاء في هذه الافتتاحية.

 الإفلاس اللغوي

جاء في الفقرة الأولى من هذا المقال ما يلي: “بعد سنوات من الإفلاس بسبب سوء التسيير، قامت جامعة لورنسيان Laurentian University في مدينة سودبيري Sudbury (كندا) بإجراء تخفيضات هائلة في النفقات خلال أبريل الماضي عن طريق إزالة ما يقرب من نصف البرامج المقدَّمة باللغة الفرنسية. وتم الاستغناء عن العديد من المدرّسين الناطقين بالفرنسية. إن انهيار ثاني أكبر جامعة (كندية) مزدوجة اللغة في منطقة أونتاريو Ontario ليس فقط خسارة للأسرة الفرنكوفونية في هذه المقاطعة، بل هو أيضًا تذكيرٌ صارخ بهشاشة اللغة الفرنسية في عالم البحث والتعليم ما بعد المرحلة الثانوية”.

وتضيف الافتتاحية: “لقد لوحظ على مدى عقود في نظام البحث العلمي الكندي، استمرار تراجع اللغة الفرنسية لصالح اللغة الإنكليزية التي تزداد نموًا؛ ففي عام 2019، تم نشر ما يقارب نسبة 100% من المقالات الكندية في العلوم الطبية والطبيعية باللغة الإنكليزية، وكذلك 97% من المقالات في العلوم الاجتماعية، و90% من البحوث في الفنون والآداب…”.

ومن جهة أخرى، هناك في مقاطعة كيبيك منصة إلكترونية تجمع وتحصي المجلات العلمية والثقافية الصادرة بالفرنسية. وبهذا الشأن تقول صاحبة الافتتاحية إن التأمل في هذه المنصة يجعلنا “نصل إلى ملاحظة مؤلمة هي: في مقاطعة كيبيك، تشكّل البحوث المؤلفة باللغة الإنكليزية نحو 70% من إجمالي تلك المنشورة في العلوم الاجتماعية و30% في الفنون والآداب (هذه النسبة منخفضة، لكنها آخذة في الازدياد)”.

وفي موضوع طلبات المنح الدراسية وتمويل مشاريع البحث العلمي المقدمة إلى الهيئات الممولة، تلاحظ رئيسة التحرير إن تلك الطلبات “يتم تقديم أغلبها باللغة الإنكليزية، مع أن هذه الهيئات مزدوجة اللغة وأن عددًا كبيرًا من الباحثين طالبي المنح يتقنون الفرنسية بوصفها لغتهم الأم”.

لكن هذه الظاهرة لا تعاني منها اللغة الفرنسية وحدها، ذلك لأن “98% من المنشورات المرموقة في العالم تصدر باللغة الإنكليزية”. سيقول قائلٌ إن هذا الوضع طبيعي وربما يُعدّ إنجازا جيدا لأنه لو تواصل كل باحث في العالم بلغته الأم دون غيرها لتقوقع الباحثون والبحث العلمي بصفة عامة، ولتسبب ذلك في إعاقة موجعة لتقدم المعارف ونشرها. وهكذا، من الطبيعي أن يؤدي وجود لغة مشتركة في التواصل بين الباحثين إلى تسريع عمليات التبادل فيما بينهم، وهو أمر بالغ الأهمية في هذا العصر الذي أصبحت فيه العلوم أكثر عالمية.

“اللغة الإنكليزية أقصر طريق”

هنا تقرّ صاحبة الافتتاحية بواقع مرير، في باب ترقية اللغات، حين تقول: “لن نخفي ما يجري: فالجامعات وباحثوها يريدون بناء رأسمالهم العلمي من خلال عمل معترَف به من قبل الأسرة الأكاديمية. ومرة أخرى، نلاحظ أن اللغة الإنكليزية هي الآن أقصرُ طريق للوصول إلى تلك الغاية”.

وتمضي الكاتبة في تحليلها قائلةً: “لكن وراء هذا الانقلاب العارم الذي قامت به اللغة الإنكليزية (ضد اللغات الأخرى) تكمن خسائر لا نقدر حجمها حق التقدير؛ فبالنسبة لعديد العلماء الذين لا تُعَدّ اللغة الإنكليزية لغتهم الأم يمكن أن يتحوّل تبليغ أفكارهم إلى صراع مرير”. ذلك أنه خلال عمليات الترجمة الدائمة التي فُرض عليهم القيامُ بها تضيع بعض التفاصيل ودقائق بالغة الأهمية في البحوث المنشورة.

والجدير بالملاحظة، حسب صاحبة المجلة، أن اختفاء التنوّع اللغوي في البحث العلمي قد يؤدي إلى ضرب العمل العلمي المحلي على المدى المتوسط، ففي أغلب الأحيان يركّز الباحثون في العلوم الإنسانية والاجتماعية على القضايا التي تشغل بال مجتمعهم القومي أو المحلي وثقافته. وتعقِّب رئيسة التحرير على هذه النقطة بالقول: “لقد ثبُت أن هذه الأعمال تجد طريقها بسهولة أكبر في المجلات العلمية الوطنية، وبالتالي المنشورة باللغة الوطنية. لكن تلك المجلات لا تستهوي الباحثين الذين يفضلون المجلات – وكذا نوعا من الموضوعات- التي لها صدى أوسع”. إنها معضلة لغوية حقيقية!

“اللغة ليست مجرد أداة اتصال”

وتستخلص الافتتاحية العبرة من الوضع القائم، بقولها  “ذلك هو السبب الذي يجعلنا نقول إنه ليس من العبث أن نناضل للحفاظ على ما تبقى من اللغة الفرنسية في جامعاتنا؛ فاللغة ليست مجرد أداة اتصال، بل هي أكثر من ذلك لأنها تكوّن الفكر وتحمل في طياتها ثقافة وروحًا ورؤيةً للعالم”.

ثم تشير الافتتاحية إلى أن من المحفزات التي يمكن اللجوء إليها لبلوغ تلك الغاية توفير المنح الدراسية، وتشجيع النشر العلمي باللغة الفرنسية في بعض التخصصات، مثل التاريخ وعلم الاجتماع. وتحقيقا لهذه الهدف، أقدمت هيئات في مقاطعة كيبيك على تجسيد فكرة “مسابقة النشر بالفرنسية” التي من شأنها مساعدة الباحثين على وضع مصطلحات باللغة الفرنسية في مجالات اختصاصهم. ذلك لأن “معظم المصطلحات الجديدة تأتينا من اللغة الإنكليزية، مما يُحدث فراغًا معجميًا في اللغات الأخرى”.

من هنا نرى أن هذه الافتتاحية تؤكد، لمن يحتاج إلى تذكير، على ما ينبغي أن تقوم به كل دولة تحترم لغتها وتعمل في آن واحد على الانفتاح الأوسع على العالم: دعم اللغة الوطنية في جميع المجالات وبكل الوسائل، وترقيتها لاسيما باتخاذها لغة تدريس جميع المواد إلى المستوى الدراسي الذي تتيحه لها قدراتُها. وبالموازاة مع ذلك، ينبغي التركيز على تعلم لغة العلم الأكثر انتشارا إذا ما أردنا التواصل مع الغير وعدم التقوقع. وللأسف الشديد، فجلّ ساسة البلاد العربية لا يرون الأمر بهذا المنظار أو هم في غفلةٍ منه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
11
  • saadborhan

    استنتاج في غاية الاهمية,المؤسف ان النخبة في الدول التي كانت تحت الاستعمار تتخذ لغة المستعمر كادات رقي وتحضر واصبحت وتحمل عقدة ضعف اتجاه تلك اللغة ,اللهم الا فئه قليلة وجدت نفسها محاصرة علميا فلم تجد بدا من تغيير استراتيجيتها مرغمه,ونحن مع الاسف تعلق حاكم ومحكوم لدينابلغة جلاديهم بالرغم من ان اهلها زهدوا فيها.

  • حوحو الجزائر

    للمعلق من أنتم : أن تحدثنا عن الانجليزية كلغة العلوم والتكنولوجيا ... فهذا شيء بديهي يعلمه المثقف وغير المثقف . الصغير والكبير . الرجال والنساء ... بل العالم برمته أما كلامك : .... يريدونكم أن تكرهوا العربية لصالح الفرنسية، وإن عجزوا، أن تبدلوا العربية بلغات ميتة تعديكم للعصر الحجري ... وكأن العربية ليست لغة ميتة وكأنها تنتج العلوم والمعرفة وكأنها هي لغة وكالات الفضاء ومخابر البحث ... ثم من يريد أن يقارن فاليقارن بين ما له وما لغيرة : بين سيارته وسيارة غيره وبين بلده وبلد غير وبين لغته ولغة غيره ... وليس بما يملك فلان وما يمكلك علان .. وان حدث فالسؤال الذي يطرح نفسه : ما محله من الأعراب ؟؟

  • من أنتم؟

    بعض الشباب خريج السبورة السحرية مازال يتبهلل ويلوي الكلام ليغالط الناس، ولا يريد أن يعترف بأن العلوم التقنية كلها مئة بالمئة بالانجليزية، بل حتى الصينيون حتى ينشروا علومهم حول العالم يترجمونها. الصينية ليس لغة تعلم، لهذا هم مضطرين لترجمة معارفهم، الصين وما أدراك ما الصين، وجربت قبلهم اليابان، ووجدت نفسها تخدم على أمريكا، الآن العملاق القوي القادم بقوة هو الهند، وكل علومهم بالانجليزية، أتكلم معكم وأنا مختص في الكمبيوتر، ولست خريج أدب فرنسي وشعر أو علم نفس، العلوم التقنية لا مجال فيها لغير الانجليزية، يكفي كل لغات البرمجة التي صنعت منها كل العلوم بالانجليزية، لكن أحباب فرنسا يكذبون عليكم، يريدونكم أن تكرهوا العربية لصالح الفرنسية، وإن عجزوا، أن تبدلوا العربية بلغات ميتة تعديكم للعصر الحجري.

  • محمد☪Mohamed

    احمد فرنسا فرنسا إذا كانت هناك أطماع فرنسية في إفريقيا أسئل نفسك لماذا سمعنا مند شادلي بن جديد وجود مناجم للذهب و Les semi-conducteurs هناك أزمة عالمية في نقص هذه المادة والحديد ومؤارب أخرى غافلة عليها الجزائر ، ونفس شيء لكل دول القارة المالي يرانيوم كل دولة فيها كنز يرجعهم كلهم ذبي لكن قاعدين في فقر وتسول .

  • محمد☪Mohamed

    العبدلي أُبشرك اليوم رقم واحد في نشر البحوث العلمية هي الصين لذلك ممكن كل شيء يتغير بمى فيها لغة النشر وإتصال. يوجد في الصين ما يقرب من 2600 جامعة أو مؤسسة للتعليم العالي تستقبل ما يقرب من 32 مليون طالب (الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس) من بينهم ما يقرب من نصف مليون من الخارج. للأكاديمية الصينية للعلوم (CAS) ، التي تضم 60000 باحث في 114 معهدًا.

  • نحن هنا

    ولكن مهما يكن فإن كان هناك فكرا قويا أصيلا سيفرض نفسه على الناس بأية لغة كانت أما الذين يبحثون عن النجومية فهم الذين يبحثون عن أقرب الطرق الى ذلك ولو على حساب أمتهم فاللغة ليست هي المبدعة ولكن الانسان هو المبدع فآدم عليه السلام علمه الله الاسماء كلها فلا عذر لأحد في تبرير فشله بعدم امتلاك ناصية لغة ما.

  • د. محديد

    لكن الذي نراه عندنا خاصة في العلوم الانسانية والاجتماعية الاكتفاء باللغة العربية في التدريس والنشر و الأنشطة العلمية من ملتقيات عالمية فتقوقعت جامعاتنا للأسف!! صدقت صاحبة المجلة قولها أن اختفاء التنوّع اللغوي في البحث العلمي قد يؤدي إلى ضرب العمل العلمي المحلي على المدى المتوسط، و أضيف أنا أنه علينا بإفادة جامعات العالم و الاستفادة من تجارب علومها وهذا بالتنوع اللغوي أحادية اللغة = التقوقع ومن ثم الانحطاط

  • العبدلي

    مجمل الدراسات والبحوث العلمية وبنسبة مايعادل ٨٠ ٪؜ كلها باللغة الإنجليزية ولكن التبعية وسوء التخطيط والانبطاح للمستعمر يجعل هذه اللغة مجبرة علي الشعب والطلاب وكأنها حتمية وم يحز في النفس هو التخلف الواضح ليل نهار لالجامعات الجزائرية ولكن اصمتوا ولا تتكلموا لا تغضبوا ولاة امورنا ليس بالداخل ولكن من وراء البحار الي متي هذه التبعية

  • محمد☪Mohamed

    كل ما في أمر هناك غزو فكري مدروس من طرف أمريكة وحليفتها أنجلترا ، رجع الشعوب الأخرى ترى الأمريكي من أسيادهم . الأنجليزية لغة نشر وإتصال خططة لها أمريكة مند زمان وممكن الوضع يتغير . الصين العملاق الجديد للمنشورات العلمية في عام 2008 ، نشر الباحثون الصينيون أكثر من نظرائهم الألمان واليابانيين والفرنسيين. ورجع رقم 2 إلى واحد قريبا في أول قوة علمية على هذا الكوكب. على الأقل من الناحية الكمية. لذلك كل شيء ممكن وقريبا.

  • احمد

    الفرنسية بقيت لها قارة افريقيا تعيث فيها فسادا وعلى رأس افريقيا الجزائر و المغرب . كيف لا وقد تم يوم امس التصديق على فرعين للثانوية الدولية للفرنسية في شرق الجزائر و في غربها

  • أحمد بن بلقاسم

    أشكر الأستاذ خالد على هذا الموضوع الهام، ولعله يجد من يهتم به من الأسرة الجامعية.