الجزائر
رغم ملامستها مسائل تعتبر من "الطابوهات" في نظر السلطة

ماذا تخفي مسارعة أحزاب السلطة نحو مبادرة “حمس”؟

الشروق
  • 8799
  • 17
ح.م

أدى التجاوب غير المنتظر من قبل أحزاب السلطة، ممثلة في كل من حزب جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، الحركة الشعبية، مع مبادرة حركة مجتمع السلم للتوافق الوطني، إلى طرح العديد من الأسئلة حول خلفية هذا المعطى. فعلى الرغم من الهجمة التي سلطها أمين عام الحزب العتيد على مبادرة مقري، وعلى رمز “حمس” ومؤسسها التاريخي، الراحل محفوظ نحناح، إلا أن ولد عباس عاد أدراجه بسرعة، معتذرا عن الإساءة لنحناح، قبل أن يقرر تلبية دعوة مقري لمناقشة مشروع مبادرته، وهو التوجه الذي سبقه إليه أحد الأحزاب المحسوبة على السلطة، التي يرأسها وزير التجارة الأسبق، عمارة بن يونس، فيما ينتظر أن يحل مقري الأحد المقبل ضيفا على التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يقوده الوزير الأول، أحمد أويحيى. فلماذا قرر ولد عباس الانحناء أمام مقري والاعتذار للراحل نحناح؟ وماذا يعني مسارعة أحزاب الموالاة الأخرى لتلبية دعوة رئيس “حمس”؟ وإلى أي مدى يمكن أن يصل تنازل أحزاب السلطة بشأن الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول “الملف السياسي” لهذا العدد الإجابة عليها.

لقاءات وتساؤلات
مقري.. هل هو الحنين إلى تجربة نحناح؟

عندما أطلقت حركة مجتمع السلم، مبادرتها “التوافق الوطني”، قوبلت بهجوم من قبل الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، وصل حد اتهام مؤسس الحركة التاريخي، الراحل محفوظ نحناح، بابتزاز الرئيس بوتفليقة عندما قرر خوض سباق الانتخابات الرئاسية في العام 1999.
وفهم المراقبون تعاطي ولد عباس مع مبادرة مقري، أنه مؤشر على موقف السلطة من المبادرة، بحكم أن أمين عام الحزب العتيد، لا يتخذ خطوة من دون أن يرجع إلى الجهات التي وضعته على رأس القوة السياسية الأولى في البلاد.
كما قرئ اتهام ولد عباس لمؤسس “حمس” بابتزاز بوتفليقة في العهدة الأولى، على أن خطوة مقري التي جاءت بعدها بعقدين من الزمن، تنبع من مشكاة واحدة، وهي ابتزاز الرئيس بوتفليقة إذا ما قرر الترشح لعهدة خامسة.
غير أن أمين عام الحزب العتيد لم يلبث أن نكص على عقبيه، وعاد ليسدي المديح على نحناح، ويبرئ ساحته من تهمة الابتزاز، بل ذهب بعيدا في هذا التراجع، حد قبوله التعاطي مع مبادرة مقري، وقد تجيد ذلك في اللقاء الذي انعقد أول أمس بمقر الأفلان في حيدرة بأعالي بالعاصمة.
في الواقع، لم يقدم ولد عباس صكا على بياض لمقري، بل قدم له تحفظات على بعض بنود المبادرة، خاصة ما تعلق بدور المؤسسة العسكرية والمرحلة الانتقالية، غير أنه لم يرفض المبادرة جملة وتفصيلا، مثلما تعاملت السلطة وواجهتها الحزبية مع مبادرات سابقة مصدرها المعارضة، بل وضرب موعدا لمقري للقاءات مقبلة.
والسؤال هنا هو: لماذا غيّر ولد عباس موقفه المتشنج من مبادرة مقري؟ ولماذا عاد ليكيل الثناء لمؤسس “حمس” بعد أن هاجمه واتهمه بالابتزاز السياسي؟
لقد قالها ولد عباس في أكثر من مناسبة، إن القرارات التي اتخذها على رأس الحزب، كانت بإيعاز من الرئاسة، وهو الكلام الذي ساقه عندما أقدم على إقصاء 12 من أعضاء المكتب السياسي، واستبدالهم بأسماء أخرى خارج إرادة اللجنة المركزية، كما قال مناوئوه.
وعليه يمكن القول إن ثناء ولد عباس على نحناح بعدما اتهمه بالابتزاز، وكذا جلوسه على طاولة الحوار مع مقري بشأن مبادرة “التوافق الوطني”، بعدما كان قد انتقدها، ليس إلا انعكاس لأوامر فوقية، وهو ما يؤشر على أن هذه المبادرة تلقى شيئا من القبول لدى صناع القرار.
كما أن استجابة الحزب الثاني المحسوب على السلطة، ممثلا في التجمع الوطني الديمقراطي، والذي ينتظر أن يلتقي أمينه العام أحمد أويحيى مع مقري الأحد المقبل، يعزز فرضية قبول السلطة التعاطي مع المبادرة، لأنه من غير المقبول أن تقبل أحزاب السلطة مناقشة مبادرة ما مصدرها المعارضة، من دون أن تتلقى ضوءا أخضر من السلطة ذاتها.
السؤال الآخر، لكن هذه المرة موجه لمقري، ومفاده هل المبادرة أطلقت من دون مشاورات سرية مع أطراف في السلطة؟ أم أنها جاءت في أعقاب تفاهمات جرت خلف الجدران؟
هذا السؤال وُجّه لمقري غير أنه أجاب عليه بالنفي.. غير أن معطيات الواقع تذهب عكس ذلك الاتجاه.. وعلى الرغم من غياب ما يؤكد أو ينفي هذا الأمر، إلا أن المؤشرات التي برزت إلى الواجهة، تؤكد أن السلطة تكون قد وجدت ما يدغدغ حساباتها في هذه المبادرة، التي لا يستبعد أن تكون قد حركتها حسابات “حمس” لمرحلة ما بعد 2019.
ويرى مراقبون أن مقري وبعد قيادته للحركة بعيدا عن السلطة ونعيمها على مدار السنوات الخمس المنقضية، يكون قد خلص إلى نتيجة مفادها أن الاستمرار في مسعى المعارضة الجوفاء، لا تجلب لحزبه الاستمرار بالشكل الذي يأمل.
فقد برزت “تأوهات” لدى قطاع واسع من إطارات “حمس” الذين كانوا يأملون في تقلد مسؤوليات في نسيج الدولة، مثلما كان الحال عليه طيلة مرحلة المشاركة التي امتدت على مدار نحو عقد ونصف من الزمن، غير أن انتقال الحركة إلى الضفة الأخرى من المعادلة، جعل إطاراتها تفقد امتيازات، رغم المخاطر التي انجرت عن ذلك (تورط في الفساد وانحطاط في الأخلاق)..
ولا شك أن تجسيد تلك الآمال يجب أن يبدأ من الآن، قبل أن تغلق اللعبة، بحلول موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي لم يعد يفصلنا عنها سوى أقل من تسعة أشهر.. فهل يمكن القول إن ما يقوم به مقري اليوم هو بداية رسم طريق العودة إلى أحضان السلطة ونعيمها!؟

رئيس مجلس الشورى السابق بـ”حمس” عبد الرحمن سعيدي لـ”الشروق”
ضغط المرحلة فرض التقارب بين السلطة والمعارضة

عبد الرحمان سعيدييرى القيادي في حركة مجتمع السلم، عبد الرحمان سعيدي، أن مبادرة التوافق الوطني فرضتها تحديات وضرورات المرحلة، بفعل الأزمة التي تمر بها البلاد سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية، وعبر عن تفاؤله في ذات السياق بوجود نية من جميع الأطراف من اجل الاحتكام إلى مبدأ الحوار والعمل لإيجاد أرضية اتفاق والعمل على الخروج من ألازمة، معتقدا أن هذه المرحلة تعد فترة لجس النبض بين أحزاب الموالاة والمعارضة قبيل الاستحقاق الرئاسي القادم.

شكلت اللقاءات التي جمعت بين رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، وقيادات أحزاب موالية للسلطة (حزب جبهة التحرير الوطني، الحركة الشعبية، التجمع الوطني الديمقراطي الأسبوع المقبل)، مفاجأة.. ما تعليقكم؟

في اعتقادي لا تشكل مبادرة التوافق الوطني مفاجأة بالنسبة لي، ومرد ذلك هو أن طبيعة العمل السياسي تقتضي التواصل بين جميع الأطراف السياسية سواء كانوا في الموالاة أو في المعارضة، وأعتقد أنه من الضروري جدا أن تجري التشكيلات والأحزاب السياسية حوارا جادا فيما بينها، من أجل بحث أمور البلاد والعباد، كما أنه من الضروري أن تكون مثل هذه اللقاءات والمشاورات، وبالنسبة لي فإن المفاجأة هو أن تستمر القطيعة بين أطراف المعادلة السياسية، وهو أمر لا أتمنى حدوثه.

لقد كانت للمعارضة مبادرات سابقة مثل “أرضية مزفران”، و”الإجماع الوطني” لحزب جبهة القوى الاشتراكية، لكنها قوبلت برفض واستهجان من قبل أحزاب الموالاة.. ما الذي تغير حتى تغيرت طريقة التعاطي مع مبادرة “حمس” للتوافق الوطني؟

الذي تغير بعد مبادرة “أرضية مزافران” وغيرها من المبادرات، هو تغير الظروف السياسية، فالمعارضة من جهتها تخلت عن مبدأ المشاحنة السياسية، فيما تخلت الموالاة عن نظرة الاستعلاء التي كانت عليها فيما قبل، كما أن حدة الأزمة السياسية والاقتصادية التي دخلت فيها البلاد قبل سنوات قليلة، حتمت على جميع الأطراف الاقتناع بضرورة الاحتكام إلى الحوار وضرورة الاقتراب من بعضها البعض، من أجل الشروع في البحث عن السبل للخروج من هذه الأزمة، وإن كان الحكم على نجاح المبادرة من عدمه سابق لأوانه، على الأقل في الوقت الراهن.

التجاوب الذي أبدته أحزاب السلطة تجاه مبادرة “حمس” للتوافق الوطني، ألا يدل ذلك برأيكم، على أن هناك إشارات من جهات ما، لها سلطة أو وصاية على أحزاب الموالاة بالانخراط في هذا المسعى؟

كما قلت سابقا، فإن الظرف الحالي يستلزم من جميع الأطراف السياسية من سلطة ومعارضة، التواصل سياسيا فيما بينها، وبالنظر لما يجري حاليا من تطورات، فإن المؤشرات الحالية تبشر بالخير، بدليل أن السلطة أبدت نية وإرادة من اجل الحوار، كما هو الشأن بالنسبة لمختلف الأحزاب على اختلاف موقعها في المشهد، فهناك توجه نحو موقف سياسيي موحد تجاه حل الأزمة المتشعبة التي تعصف بالبلاد، بالنظر إلى الحاجيات والتحديات الحالية، التي تملي على الجميع ضرورة تقريب وجهات نظرها، لإنقاذ البلاد من المخاطر التي تتهددها.

ألا تعتقدون أن جلوس السلطة والمعارضة إلى طاولة واحدة، يعتبر مؤشرا على بداية تبلور رؤية موحدة حول الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

حسب رأيي، الحديث عن الرئاسيات في الوقت الراهن سابق لأوانه، إلا أن ذلك يستدعي الشروع في النظر في الملفات العالقة من خلال محاولة جس النبض. ومن جهتنا نحن في حركة مجتمع السلم، نسعى لمعرفة نوايا الحكومة من أجل التعاطي معها بالكيفية التي يجب، كما أن السلطة من جهتها تريد تحديد أو على الأقل تلمس توجّه الحركة في هذا الخصوص.. وكما تعلمون فحركة “حمس” التي تتميز بمعارضتها الهادئة والهادفة ونظرتها الوسطية للأمور، ستبحث كل الخيارات المتاحة بما يخدم مصلحة الشعب والوطن على حد سواء.

المتحدث الرسمي باسم حزب جبهة التحرير فؤاد سبوتة لـ “الشروق”
هل من الديمقراطية منع الرئيس من الترشح؟

يرى الناطق الرسمي لجبهة التحرير فؤاد سبوتة أن الحزب لا يجلس على طاولة نقاش مع تشكيلات سياسية أخرى ما لم تتوافق الرؤى والأفكار المطروحة، وأكد أن ما عرضه “الإخوة” في حمس مغاير تماما عما طرح في مبادرة “مزافران”، كما أبرز تفتح “الأفلان” على أي مبادرة تطرح لا تمس بالخطوط الحمراء، في مقدمتها تشبث قيادة وقواعد الحزب بمبادرة مساندة الرئيس لمواصلة تسيير البلاد.

شكلت اللقاءات التي جمعت بين رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، وقيادات أحزاب موالية للسلطة (حزب جبهة التحرير الوطني، الحركة الشعبية، والتجمع الوطني الديمقراطي الأسبوع المقبل)، مفاجأة.. ما تعليقكم ؟

ليست مفاجأة بالنسبة لنا، التقاء التشكيلات السياسية أمر يحدث كلما يكون تقارب حول فكرة ما، ونحن في جبهة التحرير الوطني نرحب بكل التشكيلات التي تريد مقابلتنا، وقبل مبادرة حمس، نحن قدمنا مبادرتنا منذ شهور، وطلبنا من الرئيس الاستمرار في تسيير شؤون البلاد، وأنوّه هنا أنه 60 بالمائة من التشكيلات السياسية تساندنا في هذا المسعى وتطالب بالانضمام إلى مبادرتنا، وحتى الجمعيات تطالب لقاء قيادات الحزب.. نحن ندعم الرئيس بوتفليقة ونطالب منه الموافقة على طلبنا، لذلك لا أرى مانعا في لقاء تشكيلات سياسية أخرى ما لم يؤثر ذلك على ما نقترح من أفكار في مبادرتنا.

الإخوة في “حمس” طلبوا لقاءنا وحدث ذلك وجرت الأمور في ظروف جيدة، حيث عرضوا علينا أهم الأفكار، ونحن جاوبنا وقدمنا تصورنا بشأن ما تضمنته المبادرة من مقترحات للتوافق الوطني.

كانت للمعارضة مبادرات سابقة مثل “أرضية مزفران”، لكنها قوبلت برفض واستهجان من قبل أحزاب الموالاة.. ما الذي تغير حتى تغيرت طريقة التعاطي مع مبادرة “حمس” للتوافق الوطني؟
لا يمكن المقارنة بين الفكرتين، نحن الآن أمام مبادرتين مختلفتين، فالمبادرة السابقة تطرح أفكارا لا نتفق معها ونرفضها جملة وتفصيلا، الإخوة في التشكيلات السياسية الأخرى تحدثوا عن مرحلة انتقال ديموقراطي وأزمة مؤسسات وهذا غير موجود في الجزائر، الرئيس يشغل منصبه والمجالس المنتخبة تشتغل بصفة عادية، أمر آخر، هل من الديمقراطية مطالبة رئيس الجمهورية بعدم الترشح؟، طبعا هذا غير معقول تماما، لا يجب الاختباء وراء الفشل وعدم تقديم البديل، وكأنه توجد أطراف تريد أن تكسب الشرعية من أطراف أخرى، نحن في الآفلان نستمد شرعيتنا من الشعب ومستعدون للقيام بحملة انتخابية للرئيس، وقبل ذلك نحضر لعرض حصيلة انجازات الرئيس، فأفكار مبادرة حمس هذه المرة لا تتشابه مع ما طرح في مبادرة “مزافران” .

التجاوب الذي أبدته أحزاب السلطة تجاه مبادرة “حمس” للتوافق الوطني، ألا يدل ذلك برأيكم، على أن هناك إشارات من جهات ما، لها سلطة أو وصاية على أحزاب الموالاة بالانخراط في هذا المسعى؟

نحن أسياد في قراراتنا ومتفتحين على الجميع، لكن هناك خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، خصوصا ما يتعلق بدعمنا ومساندتنا لرئيس الجمهورية، حركة “حمس” طرحت مبادرتها ونحن كنا السباقين لطرح مبادرتنا، هذا هو الفعل السياسي، لا يمكن أن يغفل أحد أن حزب جبهة التحرير الوطني تمكن من خلق حراك سياسي.

ألا تعتقدون أن جلوس السلطة والمعارضة على طاولة واحدة، مؤشر على بداية تبلور رؤية موحدة حول الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

كقيادي في حزب جبهة التحرير الوطني أقول نعم، وهذا هو ما نصبوا إليه من خلال مبادرتنا لدعم الرئيس، موازاة مع استعدادنا لاستقبال استحقاق مصيري للبلد بالنظر للتحديات، فلذلك نطالب الرئيس بمواصلة تسيير شؤون البلاد مع تقديم المبررات والانجازات، إذا هذه اللقاءات توسّع من دائرة المساندين، إن الرئيس بوتفليقة هو في الأول والأخير رئيس الحزب ورئيس كل الجزائريين، نحن نتقبل كل التشكيلات لدعم المسعى وننتظر الرئيس للرد على طلبنا.

مقالات ذات صلة